اصول السنة لابن زنين
أُصُولُ الْسُّنَّةِ لابن أبي زمنين (ت 399 هـ)
محتويات
1 بَابٌ: فِي اَلْحَضِّ عَلَى
لُزُومِ اَلسُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ اَلْأَئِمَّةِ
2 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِصِفَاتِ
اَللَّهِ وَأَسْمَائِهِ
3 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِأَنَّ
اَلْقُرْآنَ كَلَامُ اَللَّهِ
4 بَاب: فِي اَلْإِيمَانِ
بِالْعَرْشِ
5 بَابٌ: فِي الْإِيمَانِ
بِالْكُرْسِيِّ
6 بَابُ: اَلْإِيمَانِ بِالْحُجُبِ
7 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ
بِالنُّزُولِ
8 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِأَنَّ
اَللَّهَ يُحَاسِبُ عِبَادَهُ
9 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ
بِالنَّظَرِ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
10 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ
بِاللَّوْحِ وَالْقَلَمِ
11 بَابٌ فِي: اَلْإِيمَانِ بِأَنَّ
اَلْجَنَّةَ وَالنَّارَ قَدْ خُلِقَتَا
12 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِأَنَّ
اَلْجَنَّةَ وَالنَّارَ لَا يَفْنَيَانِ
13 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ
بِالْحَفَظَةِ
14 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِقَبْضِ
مَلَكِ اَلْمَوْتِ اَلْأَنْفُسَ
15 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِسُؤَالِ
اَلْمَلَكَيْنِ
16 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِعَذَابِ
اَلْقَبْرِ
17 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ
بِالْحَوْضِ
18 بَابُ: اَلْإِيمَانِ بِالْمِيزَانِ
19 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ
بِالصِّرَاطِ
20 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ
بِالشَّفَاعَةِ
21 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ
بِإِخْرَاجِ قَوْمٍ مِنْ اَلنَّارِ
22 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِطُلُوعِ
اَلشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
23 بَابُ: اَلْإِيمَانِ بِخُرُوجِ
اَلدَّجَّالِ
24 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِنُزُولِ
عِيسَى وَقَتْلِهِ اَلدَّجَّالَ
25 بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ
بِالْقَدَرِ
26 بَابٌ: فِي أَنَّ اَلْإِيمَانَ
قَوْلٌ وَعَمَلٌ
27 بَابٌ: فِي تَمَامِ اَلْإِيمَانِ
وَزِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ
28 بَابٌ: فِي اَلِاسْتِغْفَارِ
لِأَهْلِ اَلْقِبْلَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ
29 بَابٌ: فِي اَلْأَحَادِيثِ
اَلَّتِي فِيهَا نَفْيُ اَلْإِيمَانِ بِالذُّنُوبِ
قلت المدون انظر هذا الرابط
قانون الحق الإلهي
30 بَابٌ: فِي اَلْأَحَادِيثِ
اَلَّتِي فِيهَا ذِكْرُ اَلشِّرْكِ وَالْكُفْرِ
31 بَابٌ: فِي ذِكْرِ اَلْأَحَادِيثِ
اَلَّتِي فِيهَا ذِكْرُ اَلنِّفَاقِ
32 بَابٌ: مِنْ اَلْأَحَادِيثِ اَلَّتِي
فِيهَا ذِكْرُ اَلْبَرَاءَةِ
33 بَابٌ: مِنْ اَلْأَحَادِيثِ
اَلَّتِي شُبِّهَ فِيهَا اَلذَّنْبُ بِأَجْزَاءَ أَكْبَرَ مِنْهُ أَوْ قُرِنَ بِهِ
34 بَابٌ: فِي اَلْوَعْدِ
وَالْوَعِيدِ
35 بَابٌ: فِي مَحَبَّةِ أَصْحَابِ
اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
36 بَابٌ: فِي تَقَدُّمِ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ
37 بَابٌ: فِي وُجُوبِ اَلسَّمْعِ
وَالطَّاعَةِ
38 بَابٌ: فِي اَلصَّلَاةِ خَلْفَ
اَلْوُلَاةِ
39 بَابُ: دَفْعِ اَلزَّكَاةِ إِلَى
اَلْوُلَاةِ
40 بَابٌ: فِي اَلْحَجِّ وَالْجِهَادِ
مَعَ اَلْوُلَاةِ
41 بَابُ: اَلنَّهْيِ عَنْ
مُجَالَسَةِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ
42 بَابٌ: فِي اِسْتِتَابَةِ أَهْلِ
اَلْأَهْوَاءِ وَاخْتِلَافِ أَهْلِ اَلْعِلْمِ فِي تَكْفِيرِهِمْ
بسم الله الرحمن الرحيم
بَابٌ: فِي اَلْحَضِّ عَلَى لُزُومِ اَلسُّنَّةِ
وَاتِّبَاعِ اَلْأَئِمَّةِ
اِعْلَمْ رَحِمَكَ اَللَّهُ أَنَّ اَلسُّنَّةَ
دَلِيلُ اَلْقُرْآنِ، وَأَنَّهَا لَا تُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ وَلَا تُؤْخَذُ
بِالْعُقُولِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي اَلِاتِّبَاعِ لِلْأَئِمَّةِ وَلِمَا مَشَى
عَلَيْهِ جُمْهُورُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
أَقْوَامًا أَحْسَنَ اَلثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: {فَبَشِّرْ عِبَادِيَ
َالَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ
اَلَّذِينَ هَدَاهُمُ اَللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو اَلْأَلْبَابِ} وَأَمَرَ عِبَادَهُ
فَقَالَ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا
اَلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
[1] وَحَدَّثَنِي أَبُو اَلْحَزْمِ وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ
اَلْحِجَازِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ مُوسَى
بْنِ مُعَاوِيَةَ الصُّمَادِحِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ:
ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا سَبِيلُ اَللَّهِ"، ثُمَّ خَطَّ
خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَقَالَ: "هَذِهِ
سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ"، وَقَرَأَ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}
اَلْآيَة.
[2] اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ
سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ اَلْحَسَنَ يُحَدِّثُ
عَنْ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ رَغِبَ عَنْ
سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي.
[3] اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُبَارَكُ بْنُ
فَضَالَةَ عَنْ اَلْحَسَنِ بْنِ أَبِي اَلْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَمَلٌ قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ، خَيْرٌ
مِنْ عَمَلٍ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ.
[4] حَدَّثَنِي أَبِي -رَحِمَهُ اَللهُ- عَنْ أَبِي
اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى،
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
اَلْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ عَنْ اَلْوَضِينِ بْنِ عَطَاءَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اَلسُّنَّةُ
سُنَّتَانِ سُنَّةٌ فِي فَرِيضَةٍ اَلْأَخْذُ بِهَا هُدًى وَتَرْكُهَا ضَلَالَةٌ،
وَسُنَّةٌ فِي غَيْرِ فَرِيضَةٍ اَلْأَخْذُ بِهَا فَضِيلَةٌ وَتَرْكُهَا لَيْسَ
بِخَطِيئَةٍ.
[5] يَحْيَى قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ
صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
[6] يَحْيَى قَالَ: وَحَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ
دِينَارٍ، عَنْ اَلْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يُكَذِّبُنِي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى
حَشَايَاهُ، يَبْلُغُهُ اَلْحَدِيثُ عَنِّي فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ:
كِتَابُ اَللَّهِ: وَدَعُونَا مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
[7] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
أَسْلَمَ بْنِ عَبْد الْعَزِيز، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي اَللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
حَبِيبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ اَلْأَشَجِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ رَضِيَ
اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "سَيَأْتِي قَوْمٌ يَأْخُذُونَكُمْ بِمُتَشَابِهِ
اَلْقُرْآنِ فَخُذُوهُمْ بِالسُّنَنِ فَإِنَّ أَصْحَابَ اَلسُّنَنِ أَعْلَمُ
بِكِتَابِ اَللهِ".
[8] ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ عَنْ اِبْن عَجْلَانَ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: "إِنَّ أَصْحَابَ اَلرَّأْيِ
أَعْدَاءَ اَلسُّنَنِ أَعْيَتْهُمْ أَنْ يَحْفَظُوهَا وَتَفَلَّتَ مِنْهُمْ أَنْ
يَعُوهَا، وَاسْتَحْيَوْا حِينَ سُئِلُوا أَنْ يَقُولُوا: لَا نَعْلَمُ،
فَعَارَضُوا اَلسُّنَنَ بِرَأْيِهِمْ".
[9] اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ
حُمَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أُسَيْدٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَرْسَلَ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ إِلَى أَقْوَامٍ خَرَجُوا فَقَالَ لَهُ: "إِنْ
خَاصَمُوك بِالْقُرْآنِ فَخَاصِمهمْ بِالسُّنَّةِ".
[10] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ
الصُّمَادِحِيِّ، عَنْ اِبْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ
مُجَالِدٍ، عَنْ اَلشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ: "لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ عَامٌ إِلَّا اَلَّذِي بَعْدَهُ شرٌّ
مِنْهُ، لَا أَعْنِي عَامًا أَخْصَبَ مِنْ عَامٍ وَلَا أَمْطَرَ مِنْ عَامٍ،
وَلَكِنْ ذَهَابَ عُلَمَائِكُمْ وَخِيَارِكُمْ، ثُمَّ يُحْدِثُ قَوْمٌ يَقِيسُونَ اَلْأُمُورَ
بِرَأْيِهِمْ فَيُهْدَمُ اَلْإِسْلَامُ وَيُثْلَمُ".
[11] اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ
اَلثَّوْرِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ اِبْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: "اِتَّبِعُوا
وَلَا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ".
[12] اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَحَدَّثَنِي زَمْعَةُ بْنُ
صَالِحٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ اَلْأَزْدِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ
عَبَّاسٍ: أَوْصِنِي قَالَ: "عَلَيْكَ
بِالِاسْتِقَامَةِ، اِتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ".
[13] اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عبدالمؤمن بْنُ
عبيدالله قَالَ: حَدَّثَنِي مَهْدِيُّ بْنُ أَبِي
أَبِي اَلْمَهْدِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَا
يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ عَامٌ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً، وَأَمَاتُوا
فِيهِ سُنَّةً حَتَّى تَحْيَى اَلْبِدَعُ وَتَمُوتُ اَلسُّنَنُ".
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِصِفَاتِ اَللَّهِ
وَأَسْمَائِهِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ اَلْعِلْمِ
بِاَللَّهِ وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُ وَرُسُلُهُ يَرَوْنَ اَلْجَهْلَ
بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ عِلْمًا،
وَالْعَجْزَ عَمَّا لَمْ يُدَّعَ إِيمَانًا، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَنْتَهُونَ
مِنْ وَصْفِهِ بِصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ إِلَى حَيْثُ اِنْتَهَى فِي كِتَابِهِ،
وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، وَقَدْ قَالَ وَهُوَ أَصْدَقُ اَلْقَائِلِينَ: {كُلُّ شَيْءٍ
هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اَللَّهُ
شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} وَقَالَ: {وَيُحَذِّرُكُمُ اَللَّهُ نَفْسَهُ}
وَقَالَ: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} وَقَالَ: {فَإِنَّكَ
بِأَعْيُنِنَا} وَقَالَ: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} وَقَالَ: {وَقَالَتِ
اَلْيَهُودُ يَدُ اَللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا
قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وَقَالَ: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ
يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} وَقَالَ: {إِنَّنِي
مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} وَقَالَ: {وَكَلَّمَ اَللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}
وَقَالَ: {اَللَّهُ نُورُ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وَقَالَ:
{اَللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ
وَلَا نَوْمٌ} وَقَالَ: {هُوَ اَلْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}.
وَمِثْلُ هَذَا فِي اَلْقُرْآنِ كَثِيرٌ فَهُوَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى نُورُ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ
نَفْسِهِ، وَلَهُ وَجْهٌ وَنَفْسٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ،
وَيَسْمَعُ وَيَرَى وَيَتَكَلَّمُ، اَلْأَوَّلُ وَلَا شَيْءَ قَبْلَهُ، وَالْآخِرُ
اَلْبَاقِي إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ لَا شَيْءَ بَعْدَهُ، وَالظَّاهِرُ اَلْعَالِي
فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ وَالْبَاطِنُ بَطَنَ عِلْمُهُ بِخَلْقِهِ
تَعَالَى: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌحَيُّ قَيُّومٌ، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ.
[14] وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْد اللهِ بْنِ عَبْد اللهِ
بْنِ سَعِيدٍ بْنِ اَلْقَطَّانِ، عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْرَسُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو ظِلَالٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا
ظِلَالٍ مَتَّى أُصِبْتَ فِي بَصَرِكَ؟ قَالَ: لَا أَعْقِلُهُ، قَالَ: أَفَلَا
أُحَدِّثُك بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ نَبِيُّ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ عَنْ رَبِّهِ أَنَّ اَللَّهَ
قَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا ثَوَابُ عَبْدِي إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَهُ؟ قَالَ
جِبْرِيلُ: رَبِّ لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنِي، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ
ثَوَابُ عَبْدِي إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَهُ اَلنَّظَرُ إِلَى وَجْهِي اِنْتَهَى.
[15] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ
اَلْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ، عَنْ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
اِحْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى يَا آدَمُ أَنْتَ أَسْكَنَك اَللَّهُ
اَلْجَنَّةَ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ... ثُمَّ ذَكَرَ اَلْحَدِيثَ.
[16] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ يُونُسَ،
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا سَمِعَتْ اَلنَّبِيَّ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ يَقُولُ وَهُوَ سَاجِدٌ: ... ثُمَّ
ذَكَرَ اَلْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ: أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.
[17] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ،
عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْد اللهِ بْنُ بَكْرٍ اَلسَّهْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ نُمَيْرٍ،
عَنْ اَلْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَلَقَ اَللَّهُ اَلْخَلْقَ، وَقَضَى اَلْقَضِيَّةَ،
وَأَخَذَ مِيثَاقَ اَلنَّبِيِّينَ، وَعَرْشُهُ عَلَى اَلْمَاءِ فَأَخَذَ أَهْلَ
اَلْيَمِينِ بِيَمِينِهِ، وَأَهْلَ اَلشِّمَالِ بِيَدِهِ اَلْأُخْرَى، وَكِلْتَا
يَدِ اَلرَّحْمَنِ يَمِينٌ ... ثُمَّ ذَكَرَ اَلْحَدِيثَ.
[18] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ يُونُسَ،
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنْ
اَلْأَنْصَارِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ بَعْضِ
نِسَائِهِ، فَإِذَا حَلْقَةٌ فِي اَلْمَسْجِدِ ... ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ:
إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ مَعِي مِنْ أُمَّتِي مَنْ يُقِرُّ بِهِ
عَيْنَي اَلْجَنَّةَ، فَأَعْطَانِي سَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ اِسْتَزَدْتُهُ
فَزَادَنِي مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ اِسْتَزَدْتُهُ فَأَشَارَ
إِلَيَّ بِكَفَّيْهِ هَكَذَا وَهَكَذَا" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَسْبُنَا يَا رَسُولَ
اَللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ دَعْنَا نَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ، قَالَ
أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ وَمَا تُبْقِي (حَفْنَتَانِ) مِنْ
حَفَنَاتِ اَللَّهِ، وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.
[19] اِبْنُ وَهْبٍ: قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَسْلَمَةُ بْن
عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ اَلنَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ اَلكِلَابِيّ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ
قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّكَ، فَإِذَا شَاءَ
أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ.
[20] وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ فَحْلُون عَنْ
اَلْحُسَيْنِ بْنِ حُمَيْدٍ اَلْعَكِيّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ أَبِي اَلزِّنَادِ، عَنْ اَلْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَتَعَاقَبُونَ
فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ
فِي صَلَاةِ اَلْفَجْرِ وَصَلَاةِ اَلْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ اَلَّذِينَ بَاتُوا
فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ:
تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ.
[21] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ يُونُسَ،
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ، عَنْ أَيُّوبَ
السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى
اَلْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي مَسِيرٍ مَعَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَهْبَطَ اَلنَّاسُ كَبَّرُوا، وَإِذَا عَلَوْا
كَبَّرُوا، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّهَا اَلنَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ
أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا.
[22] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ،
عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ
فَأَتَى رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا اَلْإِيمَانُ؟ ... ثُمَّ ذَكَرَ
اَلْحَدِيثَ وَفِيهِ: قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا
اَلْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اَللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّك إِنْ
لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.
[23] اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عُبِيْدُ الله، عَنْ
نَافِعٍ، عَنْ اِبْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَكَرَ اَلْمَسِيحَ بَيْنَ ظَهْرَانَي اَلنَّاسِ فَقَالَ: إِنَّ
اَللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ اَلْمَسِيحَ اَلدَّجَّالَ أَعْوَرُ
(اَلْعَيْنِ) اَلْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ
عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.
[24] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ
يُونُسَ، عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي اَلرِّجَالِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ جِبْرِيلَ
قَالَ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَّا أُعَلِّمُكَ
دُعَاءً ... ثُمَّ ذَكَرَ اَلدُّعَاءَ وَفِي أَوَّلِهِ: يَا نُورَ اَلسَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: فَهَذِهِ صِفَاتُ رَبِّنَا اَلَّتِي
وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَوَصَفَهُ بِهَا نَبِيُّهُ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا تَحْدِيدٌ وَلَا تَشْبِيهٌ وَلَا
تَقْدِيرٌ فَسُبْحَانَ مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ اَلسَّمِيعُ
اَلْبَصِيرُ. لَمْ تَرَهُ اَلْعُيُونُ فَتَحُدُّهُ كَيْفَ هُوَ كَيْنُونِيَّتُهُ،
لَكِنْ رَأَتْهُ اَلْقُلُوبُ فِي حَقَائِقِ اَلْإِيمَانِ بِهِ.
[25] وَقَدْ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَد اَلْعتْبِي، عَنْ عِيسَى بْنِ
دِينَارٍ، عَنْ عبد الرحمن بْنِ اَلْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ أَنْ يَصِفَ اَللَّهَ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي
اَلْقُرْآنِ، وَلَا يُشَبِّهُ يَدَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلَا وَجْهَهُ بِشَيْءٍ،
وَلَكِنْ يَقُولُ: لَهُ يَدَانِ كَمَا وَصَفَ
نَفْسَهُ فِي اَلْقُرْآنِ، وَلَهُ وَجْهٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، يَقِفُ عِنْدَمَا
وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي اَلْكِتَابِ، فَإِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا مِثْلَ
لَهُ وَلَا شَبِيهَ وَلَكِنْ هُوَ اَللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كَمَا وَصَفَ
نَفْسَهُ، وَيَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ كَمَا وَصَفَهَا: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا
قَبْضَتُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِكَمَا
وَصَفَ نَفْسَهُ قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ يُعَظِّمُ أَنْ يُحَدِّثَ أَحَدٌ بِهَذِهِ
اَلْأَحَادِيثِ اَلَّتِي فِيهَا: أَنَّ اَللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ
وَضَعَّفَهَا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:
وَلِلَّهِ اَلْأَسْمَاءُ اَلْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَاوَفِي اَلْحَدِيثِ عَنْ
رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اِسْمًا ... ثُمَّ ذَكَرَهَا كُلَّهَا.
فَأَسْمَاءُ رَبِّنَا وَصِفَاتُهُ قَائِمَةٌ فِي
اَلتَّنْزِيلِ، مَحْفُوظَةٌ عَنْ اَلرَّسُولِ، وَهِيَ كُلُّهَا غَيْرُ
مَخْلُوقَةٍ، وَلَا مُسْتَحْدَثَةٍ، فَتَعَالَى اَللَّهُ عَمَّا يَقُولُ
اَلْمُلْحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
[26] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ،
عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي خِدَاشٌ، عَنْ
عَوْفٍ، عَنْ اَلْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَا تُفَكِّرُوا فِي اَللَّهِ وَتَفَكَّرُوا فِيمَا خَلَقَ.
[27] عَلِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ يَحْيَى
بْنِ سَلَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اَلشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ
اَلسَّمَاءَ؟ فَيَقُولُ: اَللَّهُ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اَلْأَرْضَ؟ فَيَقُولُ
اَللَّهُ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اَللَّهَ؟ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ
فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ثَلَاثًا.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِأَنَّ اَلْقُرْآنَ كَلَامُ
اَللَّهِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ:
أَنَّ اَلْقُرْآنَ كَلَامُ اَللَّهِ وَتَنْزِيلُهُ، لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا
مَخْلُوقٍ، مِنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَدَأَ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ.
[28] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ يُونُسَ،
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ اَلْعَلَاءِ بْنِ
اَلْحَارِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ لَنْ
تَرْجِعُوا إِلَى اَللَّهِ بِشَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ خَرَجَ مِنْهُ يَعْنِي
اَلْقُرْآنَ.
[29] وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ حَيُّونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُطَيَّنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
اَلْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
حَفْصِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ مَوْلَى اَلْحُرَقَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اَللَّهَ قَرَأَ طَه
وَيس قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَلْفِ عَامٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ
اَلْمَلَائِكَةُ اَلْقُرْآنَ، قَالُوا: طُوبَى لِأُمَّةٍ يَنْزِلُ هَذَا
عَلَيْهَا، وَطُوبَى لِأَجْوَافٍ تَحْمِلُ هَذَا، وَطُوبَى لِمَنْ تَكَلَّمَ
بِهَذَا.
[30] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ
زُهَيْرِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ عَبَّادٍ قَالَ: كَانَ كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُهُ مِنْ
اَلْمَشَايِخِ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَسُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ، وَفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ، وعَبْدُ اللهِ
بْنُ اَلْمُبَارَكِ، وَوَكِيعُ بْنُ اَلْجَرَّاحِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ أَدْرَكْتُ
مِنْ فُقَهَاءِ اَلْأَمْصَارِ: مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ
وَغَيْرِهَا يَقُولُونَ: اَلْقُرْآنُ كَلَامُ اَللَّهِ لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا
مَخْلُوقٍ، وَلَا يَنْفَعُهُ عِلْمٌ حَتَّى يَعْلَمَ وَيُؤْمِنَ أَنَّ اَلْقُرْآنَ
كَلَامُ اَللَّهِ لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ.
قَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ: وَلَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَقُولَ:
كَلَامُ اَللَّهِ قَطُّ حَتَّى يَقُولَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ وَلَا
يَنْفَعُهُ عِلْمٌ حَتَّى يَعْلَمَ وَيُوقِنَ أَنَّ اَلْقُرْآنَ كَلَامُ اَللَّهِ
لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ بَدَأَ وَإِلَيْهِ
يَعُودُ، وَمَنْ قَالَ بِغَيْرِ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ اَلْعَظِيمِ.
وَقَالَ مَسْلَمَةُ بْنُ اَلْقَاسِمِ رَحِمَهُ
اَللَّهُ: كَلَامُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُنَزَّلٌ مَفْرُوقٌ لَيْسَ بِخَالِقٍ
وَلَا مَخْلُوقٍ، لَا تَدْخُلُ فِيهِ أَلْفَاظُنَا وَإِنَّ تِلَاوَتَنَا لَهُ
غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ; لِأَنَّ اَلتِّلَاوَةَ هِيَ اَلْقُرْآنُ بِعَيْنِهِ، فَمَنْ
زَعَمَ أَنَّ اَلتِّلَاوَةَ مَخْلُوقَةٌ فَقَدْ زَعَمَ اَلْقُرْآنَ مَخْلُوقًا،
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ، اَلْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ عِلْمَ اَللَّهِ
مَخْلُوقٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ عِلْمَ اَللَّهِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ.
بَاب: فِي اَلْإِيمَانِ بِالْعَرْشِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ
قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ: أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ اَلْعَرْشَ
وَاخْتَصَّهُ بِالْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ فَوْقَ جَمِيعِ مَا خَلَقَ، ثُمَّ
اِسْتَوَى عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ:
{اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوَى لَهُ مَا فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
اَلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ اَلثَّرَى} وَفِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ
اِسْتَوَى عَلَى اَلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي اَلْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ
مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ اَلسَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} فَسُبْحَانَ مَنْ
بَعُدَ فَلَا يُرَى، وَقَرُبَ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ فَسَمِعَ اَلنَّجْوَى.
[31] وَقَدْ حَدَّثَنِي اِبْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ عُثْمَانَ اَلْعِنَاقِيّ عَنْ نَصْرِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ أَسَدِ بْنِ
مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ أَبِي
رُزَيْنٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ
يَخْلُقَ اَلسَّمَاءَ وَالْأَرْضَ؟ قَالَ: كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ
وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى اَلْمَاءِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: اَلْعَمَاءُ اَلسَّحَابُ
اَلْكَثِيفُ اَلْمُطْبِقُ فِيمَا ذَكَرَ اَلْخَلِيلُ.
[32] أَسَدٌ قَالَ: وَحَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ زِيَادٍ
اَلْكُوفِيُّ عَنْ عبد المنعم بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ سِنَانٍ بْنِ بِنْتِ وَهْبِ
بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ وَهْبِ بْنِ كَعْبِ اَلْأَحْبَارِ
أَنَّهُ وَجَدَ فِيمَا أَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَى مُوسَى أَنَّ اَللَّهَ كَانَ عَلَى
عَرْشِهِ عَلَى اَلْمَاءِ مَا شَاءَ اَللَّهُ أَنْ يَكُونَ، وَقَالَ: اَلْمَاءُ
عَلَى مَتْنِ اَلرِّيحِ فِي اَلْهَوَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ
اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.
[33] أَسَدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ:
حَدَّثَنِي اَلْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌقَالَ: هُمْ
اَلْيَوْمَ أَرْبَعَةٌ وَيَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ثَمَانِيَةُ صُفُوفٍ وَهُمْ الكُرُوبِيُّون،
وَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اَلَّذِي يَحْمِلُهُمْ وَيُمْسِكُهُمْ بِقُدْرَتِهِ
لَيْسَ هُمْ يَحْمِلُونَهُ وَلَكِنَّهُ عَظَّمَ بِذَلِكَ نَفْسَهُ.
[34] أَسَدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمن بْنُ أَبِي
اَلزِّنَادِ عَنْ مُوسَى، عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
اَلْمُنْكَدِرِ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلََّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ اَلْعَرْشِ، بَيْنَ
شَحْمَةِ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ مَخْفِقُ اَلطَّيْرِ سَبْعَمِائَةِ عَامٍ.
[35] أَسَدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا اَلرَّبِيعُ بْنُ عَبْد
اللهِ اَلْبَصْرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ اَلْحَسَنَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَسِيرَةُ مَا بَيْنَ
هَذِهِ اَلْأَرْضِ إِلَى سَمَاءِ اَلدُّنْيَا خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَمَسِيرَةُ
مَا بَيْنَ هَذِهِ اَلسَّمَاءِ اَلدُّنْيَا إِلَى اَلسَّمَاءِ اَلثَّانِيَةِ
مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، فَكَذَلِكَ إِلَى اَلسَّمَاءِ اَلسَّابِعَةِ إِلَى
اَلْعَرْشِ كَمَا بَيْنَ سَمَاءَيْنِ.
بَابٌ: فِي الْإِيمَانِ بِالْكُرْسِيِّ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ:
أَنَّ اَلْكُرْسِيَّ بَيْنَ يَدَيْ اَلْعَرْشِ وَأَنَّهُ مَوْضِعُ اَلْقَدَمَيْنِ.
[36] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ
عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْد اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن بْنُ
مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ: أَتَانِي
جِبْرِيلُ بِالْجُمُعَةِ وَهِيَ كَالْمِرْآةِ اَلْبَيْضَاءِ ... وَذَكَرَ
اَلْحَدِيثَ وَفِيهِ: إِنَّ اَلرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اِتَّخَذَ فِي
اَلْجَنَّةِ وَادِيًا مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْجُمُعَة
هَبَطَ مِنْ عِلِّيِّينَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، ثُمَّ جَفَّ اَلْكُرْسِيُّ
بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَوْهَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ اَلنَّبِيُّونَ
فَيَجْلِسُونَ عَلَيْهَا.
[37] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحَسَنِ عَنْ
أَبِي دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْمُعَلَّى بْنُ
هِلَالٍ عَنْ عَمَّارٍ اَلدُّهْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ اِبْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ اَلْكُرْسِيَّ اَلَّذِي وَسِعَ اَلسَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ مَوْضِعُ اَلْقَدَمَيْنِ، وَلَا يَعْلَمُ قَدْرَ اَلْعَرْشِ إِلَّا
اَلَّذِي خَلَقَهُ.
[38] وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ
اَلْعِنَاقِيّ، عَنْ نَصْرِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ أَسَدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ
زِيَادٍ، عَنْ عبد المنعم بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ
مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ اَلْفَارِسِيِّ
قَالَ: "تَحْتَ هَذِهِ اَلسَّمَاءِ بَحْرُ مَاءٍ يَطْفَحُ فِيهِ اَلدَّوَابُّ
مِثْلُ مَا فِي بَحْرِكُمْ هَذَا، وَمِنْ ذَلِكَ اَلْبَحْرِ أَغْرَقَ اَللَّهُ
قَوْمَ نُوحٍ، وَهُوَ مَا أَسْكَنَهُ اَللَّهُ فِي مَوْضِعِهِ لِلْعَذَابِ وَسَيُنْزِلُهُ
قَبْلَ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، فَيُغْرِقُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ فَالسَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ، وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ فِي جَوْفِ
اَلْكُرْسِيِّ، وَالْكُرْسِيُّ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ".
[39] أَسَدُ بْنُ مُوسَى وَقَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ:
"مَا بَيْنَ سَمَاءِ اَلدُّنْيَا وَاَلَّتِي يَلِيهَا مَسِيرَةُ
خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ،
وَبَيْنَ اَلسَّمَاءِ اَلسَّابِعَةِ وَبَيْنَ اَلْكُرْسِيِّ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ
اَلْكُرْسِيِّ وَالْمَاءِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَالْعَرْشُ فَوْقَ
اَلْمَاءِ، وَاَللَّهُ فَوْقَ اَلْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ".
بَابُ: اَلْإِيمَانِ بِالْحُجُبِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ
أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، مُحْتَجِبٌ عَنْهُمْ
بِالْحُجُبِ، فَتَعَالَى اَللَّهُ عَمَّا يَقُولُ اَلظَّالِمُونَ {كَبُرَتْ
كَلِمَةٌ تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}.
[40] وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ اَلْعِنَاقِيُّ
عَنْ نَصْرٍ، عَنْ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ
أَوْفَى أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قُلْتُ
لِجِبْرِيلَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ وَلَوْ دَنَوْتُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهَا
لَاحْتَرَقْتُ.
[41] أَسَدٌ قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ
بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَّهُ
ذَكَرَ: "أَنَّ دُونَ اَلْعَرْشِ سَبْعِينَ أَلْفَ حِجَابٍ، حُجُبٌ مِنْ
ظُلْمَةٍ، لَا يُنْفِذهَا شَيْءٌ، وَحُجُبٌ مِنْ نُورٍ لَا يُنْفِذهَا شَيْءٌ،
وَحُجُبٌ مِنْ مَاءٍ لَا يَسْمَعُ حَسِيسَ ذَلِكَ اَلْمَاءِ شَيْءٌ إِلَّا خُلِعَ
قَلْبُهُ، إِلَّا مَنْ رَبَطَ اَللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ".
[42] أَسَدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي وَكِيعُ بْنُ اَلْجَرَّاحِ
عَنْ سُفْيَانَ اَلثَّوْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدٍ اَلْمُكْتِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ
اِبْنِ عُمَرَ قَالَ: "اِحْتَجَبَ اَللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ بِأَرْبَعٍ: نَارٍ،
وَظُلْمَةٍ، وَنُورٍ، وَظُلْمَةٍ".
[43] أَسَدٌ قَالَ: وَحَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ
قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "بَيْنَ
اَلْمَلَائِكَةِ وَبَيْنَ اَلْعَرْشِ سَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ نَارٍ، وَسَبْعُونَ
حِجَابًا مِنْ ظُلْمَةٍ، وَحِجَابٌ مِنْ نُورٍ، وَحِجَابٌ مِنْ ظُلْمَةِ".
[44] أَسَدٌ قَالَ: وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ فِي
حَدِيثِهِ: "بَيْنَ حَمَلَةِ اَلْكُرْسِيِّ وَبَيْنَ حَمَلَةِ اَلْعَرْشِ
سَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ ظُلْمَةٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ اَلْبَرْدِ،
وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ اَلثَّلْجِ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ اَلنُّورِ
غِلَظُ كُلِّ حِجَابٍ مِنْهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَلَوْلَا تِلْكَ
اَلْحُجُبُ لَاحْتَرَقَتْ مَلَائِكَةُ اَلْكُرْسِيِّ مِنْ نُورِ مَلَائِكَةِ
اَلْعَرْشِ فَكَيْفَ بِنُورِ اَلرَّبِّ اَلَّذِي لَا يُوصَفُ عَنْ وَجْهِهِ".
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِالنُّزُولِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ:
أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ اَلسَّمَاءِ اَلدُّنْيَا،
وَيُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحُدُّوا فِيهِ حَدًّا.
[45] وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ فَحْلُونَ، عَنْ
اَلْعَكِّي، عَنْ اِبْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ اِبْنِ
شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْد اللهِ اَلْأَغَرِّ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ
عبدالرحمن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ
إِلَى سَمَاءِ اَلدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اَللَّيْلِ اَلْآخِرُ، فَيَقُولُ:
مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ
يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ.
[46] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ،
عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَنْزِلُ
اَللَّهُ إِلَى سَمَاءِ اَلدُّنْيَا بِنِصْفِ اَللَّيْلِ اَلْآخِرِ، أَوْ ثُلُثِ
اَلْآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ ذَا اَلَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا
اَلَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، مَنْ ذَا اَلَّذِي يَسْأَلُنِي
فَأُعْطِيَهُ، حَتَّى يَطْلُعَ اَلْفَجْرُ أَوْ يَنْصَرِفَ اَلْقَارِئُ مِنْ
صَلَاةِ اَلصُّبْحِ.
[*] وَأَخْبَرَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ
زُهَيْرِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ اَلْمَشَايِخِ:
مَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَعِيسَى وَابْنِ اَلْمُبَارَكِ
وَوَكِيعٍ كَانُوا يَقُولُونَ: اَلنُّزُولُ حَقٌّ. قَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ:
وَسَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ اَلنُّزُولِ فَقَالَ: نَعَمْ: أُقِرُّ بِهِ وَلَا
أَحُدُّ حَدًّا، وَسَأَلْتُ عَنْهُ اِبْنَ مَعِينٍ فَقَالَ: نَعَمْ، أُقِرُّ بِهِ
وَلَا أَحُدُّ فِيهِ حَدًّا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا اَلْحَدِيثُ بَيَّنَ أَنَّ
اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ فِي اَلسَّمَاءِ دُونَ اَلْأَرْضِ، وَهُوَ
أَيْضًا بَيِّنٌ فِي كِتَابِ اَللَّهِ، وَفِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ
مِنَ اَلسَّمَاءِ إِلَى اَلْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} وَقَالَ:
{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي اَلسَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ اَلْأَرْضَ} وَقَالَ:
{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي اَلسَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا}
وَقَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ اَلْكَلِمُ اَلطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ اَلصَّالِحُ
يَرْفَعُهُ} وَقَالَ: {وَهُوَ اَلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} وَقَالَ لِعِيسَى:
{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} وَقَالَ:
{بَلْ رَفَعَهُ اَللَّهُ إِلَيْهِ}.
[47] وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ فَحْلُونَ عَنْ
العَكِّيِّ، عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
مَالِكٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُمَرَ
بْنِ اَلْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّ جَارِيَةً لِي كَانَتْ
تَرْعَى غَنَمًا لِي فَجِئْتُهَا وَقَدْ فُقِدَتْ شَاةٌ مِنْ اَلْغَنَمِ
فَسَأَلْتُهَا عَنْهَا فَقَالَتْ: أَكَلَهَا
اَلذِّئْبُ فَأَسِفْتُ عَلَيْهَا وَكُنْتُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا،
وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأُعْتِقُهَا؟ قَالَ لَهَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ اَللَّهُ؟ فَقَالَتْ: فِي اَلسَّمَاءِ
فَقَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَعْتِقْهَا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْحَدِيثُ
مِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فَسُبْحَانَ اَللَّهِ مَنْ عِلْمُهُ بِمَا فِي اَلْأَرْضِ
كَعِلْمِهِ بِمَا فِي اَلسَّمَاءِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ اَلْعَلِيُّ اَلْعَظِيمُ.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِأَنَّ اَللَّهَ يُحَاسِبُ
عِبَادَهُ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ
أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحَاسِبُ عِبَادَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ
وَيَسْأَلُهُمْ مُشَافَهَةً مِنْهُ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ
يَجْمَعُ اَللَّهُ اَلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} وَقَالَ: {فَكَيْفَ إِذَا
جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}
وَقَالَ: {فَلَنَسْأَلَنَّ اَلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ
اَلْمُرْسَلِينَ} وَقَالَ: {أَلَا لَهُ اَلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ
اَلْحَاسِبِينَ} وَقَالَ: {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ
تَشْعُرُونَ} وَهَلْ يُحَاسِبُ اَلْعِبَادَ إِلَّا اَلَّذِي خَلَقَهُمْ
وَتَعَبَّدَهُمْ وَأَحْصَى أَعْمَالَهُمْ وَحَفِظَهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى
يَسْأَلَهُمْ عَنْهَا، فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ
اَلْعَلِيُّ اَلْقَدِيرُ.
[48] وَقَدْ حَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ
اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا
هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ:
بَيْنَمَا أَنَا آخِذٌ بِيَدِ اِبْنِ عُمَرَ إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اَلنَّجْوَى؟ قَالَ سَمِعْتُه يَقُولُ: إِنَّ اَللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ يُدْنِي اَلْمُؤْمِنَ مِنْهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حَتَّى يَضَعَ
عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ مِنْ اَلنَّاسِ، فَيَقُولُ عَبْدِي أَتَعْرِفُ
ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، أَتَعْرِفُ
ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ:
نَعَمْ يَا رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ
أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ: إِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ
فِي اَلدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اَلْيَوْمَ، ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ
حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا اَلْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَإِنَّهُ يُنَادَى عَلَى
رُؤُوسِ اَلْأَشْهَادِ هَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ
اَللَّهِ عَلَى اَلظَّالِمِينَ.
[49] اِبْنُ شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ
اَلْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ اِبْنِ َ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ
إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اَللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ.
[50] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي
دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ: وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اَللَّهُ يَوْمَ
اَلْقِيَامَةِأَيْ: لَا يُكَلِّمُهُمْ بِمَا يُحِبُّونَ وَقَدْ يُكَلِّمُهُمْ
وَيَسْأَلُهُمْ عَنْ أَعْمَالِهِمْ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِالنَّظَرِ إِلَى اَللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ:
إِنَّ اَلْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ وَأَنَّهُ يَحْتَجِبُ
عَنْ اَلْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ فَلَا يَرَوْنَهُ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا اَلْحُسْنَى وَزِيَادَةٌوَقَالَ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌإِلَى
رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
لَمَحْجُوبُونَ} فَسُبْحَانَ مَنْ لَا تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ
اَلْأَبْصَارَ وَهُوَ اَللَّطِيفُ اَلْخَبِيرُ.
[51] وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عبد الله، عَنْ اِبْنِ
وَضَّاحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ اَلْجَرَّاحِ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ
بْنِ عَبْد اللهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: كُنَّا
عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ اَلْبَدْرِ
فَقَالَ: هَلْ تَرَوْنَ هَذَا اَلْقَمَرَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ،
قَالَ: هَكَذَا تَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ لَا تُضَامُّون فِي
رُؤْيَتِهِ.
[52] قَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ: حَدَّثَنِي حِبَرَةُ بْنُ
اَلْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا
يَا رَسُولَ اَللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ
تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اَلْقَمَرِ لَيْلَةَ اَلْبَدْرِ وَلَيْسَ دُونَهُ
حِجَابٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ
اَلشَّمْسِ فِي اَلظَّهِيرَةِ، وَلَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ:
فَلَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ
أَحَدِهِمَا.
[53] اِبْنُ وَضَّاحٍ قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ
بْنُ نُوحٍ اَلْمَوْصِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عبد الرحمن بْنِ أَبِي
لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، عَنْ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ
نُودُوا يَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ مَوْعِدًا قَالُوا: وَمَا هُوَ؟
أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَيُدْخِلْنَا اَلْجَنَّةَ وَيُنْجِنَا مِنْ
اَلنَّارِ؟ قَالَ: فَيُكْشَفُ اَلْحِجَابُ فَيَظْهَرُ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ،
فَوَاَللَّهِ مَا أَعْطَاهُمْ اَللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْهُ، ثُمَّ
تَلَا هَذِهِ اَلْآيَةَ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا اَلْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ.
[54] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي
دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ اَلْهَمْدَانِيُّ
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ
اَلصِّدِّيقُ هَذِهِ اَلْآيَةَ أَوْ قُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: "هَلْ
تَدْرُونَ مَا اَلزِّيَادَةُ؟ اَلزِّيَادَةُ اَلنَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّنَا".
[55] يَحْيَى قَالَ: وَحَدَّثَنِي اَلْمَسْعُودِيُّ عَنْ
اَلْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْد اللهِ بْنِ
عُتْبَةَ، عَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "سَارِعُوا إِلَى اَلْجُمَعِ
فِي اَلدُّنْيَا فَإِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْرُزَ لِأَهْلِ اَلْجَنَّةِ
فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ أَبْيَضَ، فَيَكُونُونَ
مِنْهُ فِي اَلْقُرْبِ كَمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى اَلْجُمَعِ فِي اَلدُّنْيَا،
فَيُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ اَلْكَرَامَةِ شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ قَبْلُ،
ذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فَيَجِدُونَهُ قَدْ أَحْدَثَ لَهُمْ
أَيْضًا.
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ غَيْرَ اَلْمَسْعُودِيِّ
يَزِيدُ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}.
[56] يَحْيَى قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ
فِي قَوْلِهِ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَاضِرَةٌقَالَ: نَاعِمَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌقَالَ: تَنْظُرُ إِلَى
اَللَّهِ، قَالَ يَحْيَى: وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ اَلْمُؤْمِنُونَ، وَأَمَّا
اَلْكَافِرُونَ فَيَحْتَجِبُ عَنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُهُ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ
رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِاللَّوْحِ وَالْقَلَمِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ
أَنَّ اَللَّوْحَ اَلْمَحْفُوظَ وَالْقَلَمَ حَقٌّ يُؤْمِنُونَ بِهِمَا، وَقَالَ
عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} وَقَالَ: {وَعِنْدَهُ
أُمُّ اَلْكِتَابِ} وَقَالَ: {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ}.
[57] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ يُونُسَ
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَيُّوبَ
بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ اَلْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ
بْنِ اَلصَّامِتِ قَالَ: وَثَنِي أَبِي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُبَادَةَ فَقَالَ:
يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ
خَلَقَهُ اَللَّهُ اَلْقَلَمَ ثُمَّ قَالَ: اُكْتُبْ فَجَرَى فِي تِلْكَ
اَلسَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمٍ اَلْقِيَامَةِ... وَذَكَرَ
اَلْحَدِيثَ.
[58] وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ
اَلْعُنَابِيّ عَنْ نَصْرٍ عَنْ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ اَلْحَكَمِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ اِبْنِ
عَبَّاسٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ- فِي قَوْلِهِ ن وَالْقَلَمِ وَمَا
يَسْطُرُونَقَالَ: "أَوَّلُ مَا خَلَقَ اَللَّهُ اَلْقَلَمَ وَخُلِقَتْ لَهُ
اَلدَّوَاةُ وَهِيَ اَلنُّونُ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: اُكْتُبْ قَالَ: رَبِّ مَا
أَكْتُبُ؟ قَالَ: اُكْتُبْ اَلْقَدَرَ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ، فَجَرَى بِمَا كَانَ
حَتَّى تَقُومَ اَلسَّاعَةُ".
[59] أَسَدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ
عَبْدِ المُنْعِم بْنِ إِدْرِيسَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي وَهْبٍ عَنْ
اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَهُ اَللَّهُ اَللَّوْحَ اَلْمَحْفُوظَ
مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَهُوَ مِنْ
دُرٍّ أَبْيَضَ صَفْحَتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ كَلَامُهُ اَلنُّورُ،
وَكِتَابُهُ اَلنُّورُ".
[60] أَسَدٌ قَالَ: وَقَالَ
وَهْبٌ فِي حَدِيثِهِ: "وَخَلَقَ اَللَّهُ اَلْقَلَمَ مِنْ نُورٍ طُولُهُ
خَمْسِمِائَةِ عَامٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اَلْخَلْقَ فَقَالَ لِلْقَلَمِ اُكْتُبْ
فَقَالَ اَلْقَلَمُ: وَمَا أَكْتُبُ يَا رَبِّ؟ قَالَ: اُكْتُبْ
عِلْمِي فِي خَلْقِي إِلَى أَنْ تَقُومَ اَلسَّاعَةُ، فَجَرَى اَلْقَلَمُ بِمَا
هُوَ كَائِنٌ فِي عِلْمِ اَللَّهِ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ قَبْلَ أَنْ
يَخْلُقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّ كِتَابَ ذَلِكَ اَلْقَلَمِ عَلَى
اَللَّهِ يَسِيرٌ".
[61] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي دَاوُدَ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ
هِلَالٍ عَنْ أَبِي اَلضَّيْفِ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: "إِنَّ أَقْرَبَ اَلْمَلَائِكَةِ
إِلَى اَللَّهِ إِسْرَافِيلُ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ، جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ
وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ، وَقَدْ تَرَدَّدَ بِالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ، بَيْنَهُ
وَبَيْنَ اَللَّوْحِ اَلْمَحْفُوظِ، فَأَرَادَ اَللَّهُ أَنْ يُوحِيَ أَمْرًا
جَاءَ اَللَّوْحُ اَلْمَحْفُوظُ حَتَّى يُصَفِّقَ جَبْهَةَ إِسْرَافِيلَ
فَيَرْفَعَ رَأْسَهُ فَيَنْظُرَ فَإِذَا اَلْأَمْرُ مَكْتُوبٌ، فَيُنَاديَ
جِبْرِيلَ فَيُلَبِّيَهُ، فَيَقُولُ: أُمِرْت بِكَذَا أُمِرْت بِكَذَا، فَلَا يَهْبِطُ
جِبْرِيلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ إِلَّا فَزِعَ أَهْلُهَا تَخْلُفُهُ
اَلسَّاعَةُ حَتَّى يَقُولَ جِبْرِيلُ اَلْحَقَّ مِنْ عِنْدِ اَلْحَقِّ،
فَيَهْبِطَ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُوحِيَ
إِلَيْهِ".
بَابٌ فِي: اَلْإِيمَانِ بِأَنَّ اَلْجَنَّةَ
وَالنَّارَ قَدْ خُلِقَتَا
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ
أَنَّ اَلْجَنَّةَ وَالنَّارَ قَدْ خُلِقَتَا، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَقُلْنَا
يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَقَالَ: قِيلَ ادْخُلِ
الْجَنَّةَ وَقَالَ: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا
[62] وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ فَحْلُونَ عَنْ
اَلْعَلَاءِ، عَنْ اِبْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ،
إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ، فَمِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ
مِنْ أَهْلِ اَلنَّارِ، فَمِنْ أَهْلِ اَلنَّارِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا
مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اَللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ.
[63] مَالِكٌ عَنْ اِبْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ اَلْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ
أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّمَا
نَسْمَةُ اَلْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يُعَلَّقُ فِي شَجَرِ اَلْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ
اَللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ.
[64] مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: خَسَفَتْ اَلشَّمْسُ
فَصَلَّى رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ
ثُمَّ ذَكَرَ اَلْحَدِيثَ. وَفِيهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اَللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ
شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ثُمَّ تَكَعْكَعْتَ فَقَالَ: رَأَيْت
اَلْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ
مِنْهُ مَا بَقِيَتْ اَلدُّنْيَا، وَرَأَيْتُ اَلنَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ
مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا اَلنِّسَاءَ.
[65] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ قَاسِمِ
بْنِ أَصْبُغَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ
عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَجَاءَ مِنْ
أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ رَجُلٌ
يَعْبُدُ اللَّهَ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّتَهُ حَتَّى بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ:
فَاسْمَعُونِ قَالَ: فَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلُوهُ، فَدَخَلَ
اَلْجَنَّةَ فَقَالَ: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي
وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ.
[66] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ،
عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ، عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَتْ أَرْوَاحُ أَهْلِ
أُحُدٍ عَلَى اَللَّهِ جُعِلَتْ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي
اَلْجَنَّةِ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مَنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةً بِالْعَرْشِ،
تُجَاوِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِصَوْتٍ سَارَعْنَا فِيهِ فَإِنَّا قَدْ لَقِينَا
رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، وَوَعَدَهُمْ اَللَّهُ لِيُخْبِرَنَّ
بِذَلِكَ نَبِيَّهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى يُخْبِرَهُمْ بِذَلِكَ
فَأَنْزَلَ اَللَّهُ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ
خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.
[67] يَحْيَى قَالَ: وَحَدَّثَنِي
حَمَّادٌ عَنْ أَبِي هَارُونَ اَلْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ
أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِي حَدِيثِ
اَلْإِسْرَاءِ أَنَّهُ أَتَى عَلَى سَابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ حَيْثُ يَنْطَلِقُ
بِهِمْ إِلَى اَلنَّارِ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا فَنَادَوْا
وَكَانَ مِمَّا قَالُوا رَبَّنَا لَا تُقِمْ اَلسَّاعَةُ؛ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ
عَذَابِ اَللَّهِ.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِأَنَّ اَلْجَنَّةَ
وَالنَّارَ لَا يَفْنَيَانِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِأَنَّ اَلْجَنَّةَ وَالنَّارَ لَا يَفْنَيَانِ وَلَا يَمُوتُ أَهْلُوهَا،
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ اَلدَّارَ اَلْآخِرَةَ لَهِيَ اَلْحَيَوَانُ لَوْ
كَانُوا يَعْلَمُونَ} وَقَالَ: {وَإِنَّ اَلْآخِرَةَ هِيَ دَارُ اَلْقَرَارِ}
وَقَالَ: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اَللَّهِ بَاقٍ} وَقَالَ: {لَا
يَذُوقُونَ فِيهَا اَلْمَوْتَ} وَقَالَ رَدًّا عَلَى اَلْيَهُودِ وَتَكْذِيبًا
لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا اَلنَّارُ إِلَّا أَيَّامًا
مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اَللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اَللَّهُ
عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اَللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً
وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} وَالسَّيِّئَةُ هَا هُنَا اَلشِّرْكُ، كَذَلِكَ
قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ اَلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
وَقَالَ أَهْلُ اَلْإِيمَانِ: {وَاَلَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا اَلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا اَلْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اَللَّهِ حَقًّا وَمَنْ
أَصْدَقُ مِنَ اَللَّهِ قِيلًا وَقَالُوا اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي أَذْهَبَ
عَنَّا اَلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ اَلَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ
اَلْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا
فِيهَا لُغُوبٌ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى
عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ
نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} وَقَالَ: {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} وَقَالَ: {وَمَا هُمْ
مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ اَللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى اَلْخُلُودَ إِلَّا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ لَكَانَتْ كَافِيَةً
لِمَنْ شَرَحَ اَللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ. وَلَكِنْ
رَدَّدَ ذَلِكَ لِيَكُونَ لَهُ اَلْحُجَّةُ اَلْبَالِغَةُ.
[68] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَد، عَنْ اِبْنِ
وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى
بِالْمَوْتِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ، فَيُوقَفُ عَلَى اَلصِّرَاطِ، فَيُقَالُ: يَا
أَهْلَ اَلْجَنَّةِ فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ
مَكَانِهِمْ اَلَّذِي هُمْ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ اَلنَّارِ:
فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ مَكَانِهِمْ
اَلَّذِي هُمْ فِيهِ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ،
رَبَّنَا هَذَا اَلْمَوْتُ، فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى اَلصِّرَاطِ، ثُمَّ
يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا: خُلُودٌ فِيمَا تَجِدُونَ لَا مَوْتَ فِيهَا
أَبَدًا.
[69] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ
يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا
أَدْخَلَ اَللَّهُ أَهْلَ اَلْجَنَّةِ اَلْجَنَّةَ، وَأَهْلَ اَلنَّارِ اَلنَّارَ،
نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ
اَلنَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَكُلُّ خَالِدٍ فِيمَا هُوَ فِيهِ.
[70] يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
اَلْهَمْدَانِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِذَا تَوَجَّهَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ إِلَى
اَلْجَنَّةِ، مَرُّوا بِشَجَرَةٍ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ،
يَشْرَبُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ اَلنَّعِيمِ، فَلَا
تُغَيَّرُ أَبْشَارُهُمْ، وَلَا تَشْعَثُ أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا، ثُمَّ
يَشْرَبُونَ مِنْ اَلْأُخْرَى فَيَخْرُجُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ أَذًى وَقَذًى،
ثُمَّ تَسْتَقْبِلُهُمْ اَلْمَلَائِكَةُ خَزَنَةُ اَلْجَنَّةِ فَيَقُولُ لَهُمْ: سَلَامٌ
عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ.
[71] يَحْيَى قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: مَا نَزَلَ عَلَى أَهْلِ اَلنَّارِ آيَةٌ
أَشَدُّ مِنْ قَوْلِهِ: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًاقَالَ:
فَهُمْ فِي زِيَادَةِ مِنْ اَلْعَذَابِ أَبَدًا.
[72] يَحْيَى، وَقَالَ سُفْيَانُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ إِذَا
خَرَجَ مِنْ اَلنَّارِ مَنْ أُخْرِجَ فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا أَهْلُ اَلْخُلُودِ،
فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ أَهْلُ اَلنَّارِ: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ
عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَفَيَقُولُ اَللَّهُ: قَالَ اِخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِفَإِذَا
قَالَ ذَلِكَ أُطْبِقَتْ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَحَدٌ.
[73] قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: إِذَا بَقِيَ فِي اَلنَّارِ مَنْ يُخَلَّدُ فِيهَا فَجُعِلُوا فِي
تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ فِيهَا مَسَامِيرُ مِنْ نَارٍ ثُمَّ جُعِلَتْ
اَلتَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ أُخْرَى، ثُمَّ جُعِلَتْ تِلْكَ اَلتَّوَابِيتُ فِي
تَوَابِيتَ أُخْرَى، فَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا يُعَذَّبُ فِي اَلنَّارِ غَيْرَهُمْ
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِالْحَفَظَةِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِالْحَفَظَةِ اَلَّذِينَ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ اَلْعِبَادِ. وَقَالَ عَزَّ
وَجَلَّ: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ} وَقَالَ: {مَا
يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
[74] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي
دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي
يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اَلْمَلَائِكَةَ
تَقُولُ ذَلِكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً وَأَنْتَ أَبْصَرُ بِهِ،
فَيَقُولُ: اُرْقُبُوا فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا
وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً فَإِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ
خَشْيَتِي.
قَالَ يَحْيَى: فَقَالَ
اَلْحَسَنُ: اَلْحَفَظَةُ أَرْبَعَةٌ يَتَعَقَّبُونَهُ مَلَكَانِ بِاللَّيْلِ
وَمَلَكَانِ بِالنَّهَارِ، يَجْتَمِعُ هَذِهِ اَلْأَمْلَاكُ اَلْأَرْبَعَةُ عِنْدَ
صَلَاةِ اَلْفَجْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ
قُرْآنَ اَلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا.
[75] يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ
خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
"اَلذِّكْرُ اَلَّذِي لَا تَسْمَعُهُ اَلْحَفَظَةُ يُضَاعَفُ عَلَى اَلَّذِي
تَسْمَعُهُ اَلْحَفَظَةُ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ
قَالَ اَللَّهُ لِلْعَبْدِ: لَكَ عِنْدِي كَنْزٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ
غَيْرِي وَهُوَ اَلذِّكْرُ اَلْخَفِيُّ".
قَالَ يَحْيَى: قَوْلُهُ:
إِذْ يَتَلَقَّى اَلْمُتَلَقِّيَانِاَلْمَلَكَانِ، اَلْكَاتِبَانِ، اَلْحَافِظَانِ
عَنِ اَلْيَمِينِ وَعَنِ اَلشِّمَالِ قَعِيدٌرَصِيدٌ يَرْصُدُهُ. مَا يَلْفِظُ
مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌأَيْ: حَافِظٌ حَاضِرٌ يَكْتُبَانِ
كُلَّ مَا يَلْفِظُ بِهِ.
قَالَ يَحْيَى: قَالَ مُجَاهِدٌ: يَكْتُبَانِ حَتَّى
أَنِينَهُ.
يَحْيَى: قَالَ
اَلْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ بِإِسْنَادٍ ذَكَرَهُ أُمِرَ صَاحِبُ اَلشِّمَالِ أَنْ
يُكْتَبَ مَا لَا يَكْتُبُ صَاحِبُهُ.
[76] وَحَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى عَنْ
اَلْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَعْمَالُ
اَلْعِبَادِ تُعْرَضُ كُلَّ يَوْمِ اِثْنَيْنٍ وَخَمِيسٍ فَيَجِدُونَهُ عَلَى مَا
فِي اَلْكِتَابِ.
يَحْيَى: وَفِي تَفْسِيرِ اَلْكَلْبِيِّ: أَنَّهُ إِذَا
عُرِضَتْ اَلْأَعْمَالُ فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا خَيْرًا وَلَا شَرًّا مُحِيَ
فَلَمْ يَثْبُتْ، وَذَلِكَ كُلُّ يَوْمِ إِثْنَيْنٍ وَخَمِيسٍ.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِقَبْضِ مَلَكِ اَلْمَوْتِ
اَلْأَنْفُسَ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِأَنَّ مَلَكَ اَلْمَوْتِ يَقْبِضُ اَلْأَنْفُسَ.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ
اَلْمَوْتِ اَلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} فَإِذَا قَبَضَ نَفْسًا مُؤْمِنَةً دَفَعَهَا
إِلَى مَلَائِكَةِ اَلرَّحْمَةِ، وَإِذَا قَبَضَ نَفْسًا كَافِرَةً أَوْ فَاجِرَةً
دَفَعَهَا إِلَى مَلَائِكَةِ اَلْعَذَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {تَوَفَّتْهُ
رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} بَلْ يَقْبِضُونَهَا مِنْ مَلَكِ اَلْمَوْتِ ثُمَّ
يَصْعَدُونَ بِهَا إِلَى اَللَّهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى
اَللَّهِ مَوْلَاهُمُ اَلْحَقِّ}.
[77] وَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ
عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ اَلْحَكَمِ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ:
حُوِيَتْ اَلْأَرْضُ لِمَلَكِ اَلْمَوْتِ فَجُعِلَتْ مِثْلَ اَلطَّسْتِ يَنَالُ
مِنْهَا مَا يَشَاءُ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي -وَاَللَّهُ أَعْلَمُ-
أَنَّهُ يَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ شَيْءٍ فِي اَلْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَبَلَغَنِي أَنَّ
لِمَلَكِ اَلْمَوْتِ أَعْوَانًا مِنْ اَلْمَلَائِكَةِ هُمْ اَلَّذِينَ يَسْلُبُونَ
اَلرُّوحَ مِنْ اَلْجَسَدِ، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ خُرُوجِهِ قَبَضَهُ مَلَكُ
اَلْمَوْتِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ آجَالَ اَلْعِبَادِ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ عَلَى
ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اَللَّهِ.
[78] قَالَ مُحَمَّدٌ: وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعِيدِ
بْنِ فَحْلُونَ عَنْ اَلْعِنَاقِيّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنِي
أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ
اَلْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: وَلَوْ تَرَى إِذِ اَلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ اَلْمَوْتِ
وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُثُمَّ قَالَ رَسُولُ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا
مِنْكُمْ مَنْ يُسَرُّ بِفِرَاقِ رُوحِهِ جَسَدَهُ، حَتَّى يَرَى أَيَّ
اَلْمَنْزِلَتَيْنِ يَصِيرُ، وَإِنَّهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ اَلْمَوْتُ ثُمَّ ذَكَرَ
حَدِيثًا وَفِيهِ طُولٌ وَفِيهِ: إِنَّ اَلْمَلَائِكَةَ يَسُلُّونَ اَلنَّفْسَ شَيْئًا
شَيْئًا حَتَّى تَبْلُغَ ذقَنَهُ، فَيَتَوَلَّى قَبْضَهُ مَلَكُ اَلْمَوْتِ
اَلَّذِي وُكِّلَ بِهَا وَيَنْزِعُ، هَذِهِ اَلْآيَةَ: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ
مَلَكُ اَلْمَوْتِ اَلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} اَلْآيَةَ.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِسُؤَالِ اَلْمَلَكَيْنِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِأَنَّ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ تُفْتَنُ فِي قُبُورِهَا، وَتُسْأَلُ عَنْ اَلنَّبِيِّ
صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفٍ شَاءَ اَللَّهُ، وَيُصَدِّقُونَ بِذَلِكَ
بِلَا كَيْفٍ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اَللَّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا
بِالْقَوْلِ اَلثَّابِتِ فِي اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا وَفِي اَلْآخِرَةِ وَيُضِلُّ
اَللَّهُ اَلظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اَللَّهُ مَا يَشَاءُ}.
[79] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ اَلْعِنَاقِيِّ،
عَنْ عَبْدِالمَلِكِ عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ الْأُوَيْسِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّمَا فِتْنَةُ اَلْقَبْرِ بِي، فَإِذَا سُئِلْتُمْ
عَنِّي فَلَا تَشُكُّوا، قَالَتْ: فَقُلْتُ
يَا رَسُولَ اَللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ وَأَنَا اِمْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ؟ قَالَ:
{يُثَبِّتُ اَللَّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا} اَلْآيَةَ.
[80] عَبْدُ اَلْمَلِكِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَسَدُ بْنُ
مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ اَلطَّائِفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ: كَيْفَ يَا
عُمَرُ إِذَا دَخَلْتَ قَبْرَكَ وَدَخَلَ عَلَيْكَ فَتَّانَا اَلْقَبْرِ مُنْكَرٌ
وَنَكِيرٌ؟ فَقَالَ: وَمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ يَا رَسُولَ اَللَّهِ؟ قَالَ:
مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يَطَآنِ شُعُورَهُمَا، وَيَكْسَحَانِ
اَلْأَرْضَ بِأَنْيَابِهِمَا. مَعَهُمَا أَرْزَبَةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ اِجْتَمَعَ
عَلَيْهَا أَهْلُ مِنًى لَمْ يُطِيقُوهَا وَهِيَ أَهْوَنُ عَلَيْهِمَا مِنْ هَذَا،
وَرَفَعَ شَيْئًا مِنْ اَلْأَرْضِ وَذَلِكَ فِي قَالَ عُمَرُ: فَيَكُفَّ أَنَا
يَوْمئِذٍ يَا رَسُولَ اَللَّهِ؟ قَالَ: كَهَيْئَتِكَ اَلْيَوْمَ قَالَ: إِذًا أَكْفِيكَهُمَا
يَا رَسُولَ اَللَّهِ.
[81] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي
دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي اِبْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي
اَلزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ
صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي
قُبُورِهَا إِذَا دَخَلَ اَلْمُؤْمِنُ قَبْرَهُ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ
جَاءَ مَلَكٌ شَدِيدُ اَلِانْتِهَارِ، فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي
هَذَا اَلرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: أَقُولُ إِنَّهُ رَسُولُ اَللَّهِ وَعَبْدُهُ،
فَيَقُولُ لَهُ اَلْمَلَكُ: اُنْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ اَلَّذِي كَانَ لَكَ مِنْ اَلنَّارِ،
قَدْ أَعَاذَكَ اَللَّهُ مِنْهُ وَأَبْدَلَكَ بِمَقْعَدِكَ اَلَّذِي فِي اَلنَّارِ
مَقْعَدُكَ اَلَّذِي تَرَى مِنْ اَلْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا كِلَيْهِمَا فَيَقُولُ
اَلْمُؤْمِنُ دَعُونِي أُبَشِّرُ أَهْلِي فَيُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ، وَأَمَّا
اَلْمُنَافِقُ فَيَقْعُدُ إِذَا تَوَلَّى عَنْهُ أَهْلُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا
كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا اَلرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي أَقُولُ مَا يَقُولُ
اَلنَّاسُ، فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ، هَذَا مَقْعَدُكَ اَلَّذِي كَانَ لَكَ
فِي اَلْجَنَّةِ قَدْ أُبْدِلْتَ مَكَانَهُ مَقْعَدًا مِنْ اَلنَّارِ.
قَالَ جَابِرٌ: وَسَمِعْتُ اَلنَّبِيَّ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُبْعَثُ كُلَّ عَبْدٍ فِي اَلْقَبْرِ عَلَى
مَا مَاتَ عَلَيْهِ.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِعَذَابِ اَلْقَبْرِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِعَذَابِ اَلْقَبْرِ أَعَاذَنَا اَللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ عَزَّ
وَجَلَّ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} وَقَالَ: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ
ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ}.
[82] وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ عُبَيْدِ
اللهِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
عَمْرَة بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْهَا تَسْأَلْ فَقَالَتْ
لَهَا: أَعَاذَكِ اَللَّهُ مِنْ عَذَابِ
اَلْقَبْرِ وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ.
وَفِي آخِرِهِ: أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ اَلنَّاسَ أَنْ يَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ
عَذَابِ اَلْقَبْرِ
[83] مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ:
سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ اَلْمُسَيَّبِ يَقُولُ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَلَى صَبِيٍّ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ:
"اَللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ اَلْقَبْرِ".
[84] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي
دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَة بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَعِيشَةً ضَنْكًا: عَذَابُ
اَلْقَبْرِ
[85] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ اِبْنِ مَخْلُونَ عَنْ
اَلْعِنَاقِيّ عَنْ عَبْد الْمَلِكِ رَحِمَهُ اَللَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي (.....)
عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: مَنْ
كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ
يَمْهَدُونَقَالَ: يَعْنِي فِي اَلْقَبْرِ.
[86] قَالَ عَبْد الْمَلِكِ رَحِمَهُ اَللَّهُ حَدَّثَنِي
اَلْمَكْفُوفُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خُوطٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ
وَجَلَّ: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِيَعْنِي
عَذَابَ اَلدُّنْيَا وَعَذَابَ اَلْقَبْرِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ
عَظِيمٍيَعْنِي عَذَابَ جَهَنَّمَ.
عَبْد الْمَلِكِ رَحِمَهُ اَللَّهُ قَالَ: وَفِتْنَةُ
اَلْقَبْرِ وَعَذَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ وَالْإِيمَانُ بِاَللَّهِ
قَوِيٌّ لَيْسَ عِنْدَهُمْ فِيهِ شَكٌّ، وَمَنْ كَذَّبَ بِذَلِكَ فَهُوَ مِنْ
أَهْلِ اَلتَّكْذِيبِ بِاَللَّهِ، وَإِنَّمَا يُكَذِّبُ بِهِ اَلزَّنَادِقَةُ
اَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ، وَقَدْ طَلَعَ مِنْ كَلَامِهِمْ طَرَفٌ
رَأَيْتُهُ دَبَّ فِي اَلنَّاسِ، خِفْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ اَلضَّلَالِ فِي
دِينِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ، فَاحْذَرُوهُمْ فَهُمْ اَلَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ
اَلْأَرْوَاحُ تَمُوتُ بِمَوْتِ اَلْأَجْسَادِ، إِرَادَةَ اَلتَّكْذِيبِ بِعَذَابِ
اَلْقَبْرِ وَبِمَا بَعْدَهُ.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِالْحَوْضِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِأَنَّ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْضًا
أَعْطَاهُ اَللَّهُ إِيَّاهُ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ
بَعْدَهَا أَبَدًا.
[87] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ
وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ
عَنْ اَلْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ ظُهُورِنَا
حَتَّى إِذَا غَفَا إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُبْتَسِمًا، فَقُلْنَا مَا
أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ؟ فَقَالَ: نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةً
فَقَرَأَ بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
اَلْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ اَلْأَبْتَرُثُمَّ
قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا اَلْكَوْثَرُ؟ فَقُلْنَا اَللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ،
هُوَ حَوْضٌ يَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي، آنِيَتُهُ عَدَدُ اَلنُّجُومِ فَيُخْتَلَجُ
اَلْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ
لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ.
[88] وَحَدَّثَنِي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَامٍ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رِجْلًا قَالَ: يَا رَسُولَ
اَللَّهِ مَا حَوْضُكَ هَذَا اَلَّذِي تُحَدِّثُ عَنْهُ؟ قَالَ: "هُوَ مَا
بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى عُمَانَ، شَرَابُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اَللَّبَنِ
وَأَحْلَى مِنْ اَلْعَسَلِ وَفِيهِ مِنْ اَلْآنِيَةِ أَوْ قَالَ مِنْ
اَلْأَبَارِيقِ مِثْلُ عَدَدِ نُجُومِ اَلسَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً
لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا، أَوَّلُ اَلنَّاسِ لَهُ وُرُودًا فُقَرَاءُ اَلْمُهَاجِرِينَ
قِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ؟ قَالَ: اَلشُّعْثُ رُؤُوسًا، اَلدُّنْسُ
ثِيَابًا، اَلَّذِينَ لَا تُفْتَحُ لَهُمْ اَلسُّدَدُ وَلَا يَنْكِحُوا
اَلْمُتَنَعِّمَاتِ اَلَّذِينَ يُعْطُونَ اَلَّذِي عَلَيْهِمْ وَلَا يُعْطَوْنَ
اَلَّذِي لَهُمْ.
[89] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ
اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: سَعِيدُ
بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي اَلْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ
أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَبِيَّ اَللَّهِ قَالَ: أَنَا عِنْدَ عُقْرِ حَوْضِي
أَذُودُ عَنْهُ اَلنَّاسَ لِأَهْلِ اَلْيَمَنِ إِنِّي لَأَضْرِبُهُمْ بِعَصَايَ
حَتَّى يَرْفَضَّ قَالَ: وَسُئِلَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ سَعَةِ اَلْحَوْضِ؟ فَقَالَ: مِثْلُ مَا بَيْنَ مَقَامِي هَذَا
إِلَى عُمَانَ فَسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ؟ فَقَالَ: أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ
اَللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنْ اَلْعَسَلِ، يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ مِدَادُهُ أَوْ
مِدَادُهُمَا مِنْ اَلْجَنَّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ وَرِقٍ وَالْآخَرُ مِنْ ذَهَبٍ.
بَابُ: اَلْإِيمَانِ بِالْمِيزَانِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِالْمِيزَانِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا مَنْ
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} وَقَالَ: {وَنَضَعُ اَلْمَوَازِينَ اَلْقِسْطَ لِيَوْمِ
اَلْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}.
[90] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ
اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ اَلْمُغِيرَةِ، عَنْ
أُمِّ مُوسَى قَالَتْ: سَمِعْتَ عَلِيًّا يَقُولُ: أَمَرَ اَلنَّبِيُّ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةِ
وَالسَّلَامِ عَبْد اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يَصْعَدَ بِشَجَرَةٍ فَيَأْتِيهِ
بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى خموسةِ سَاقَيْهِ فَضَحِكُوا
مِنْهَا فَقَالَ: مِمَّ تَضْحَكُونَ؟! لَرِجْلُ
عَبْد اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي اَلْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ.
[91] أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ
عَنْ عِمَارَةَ بْنِ اَلْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَلِمَتَانِ
خَفِيفَتَانِ عَلَى اَللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي اَلْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ
إِلَى اَلرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اَللَّه وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اَللَّه
اَلْعَظِيمِ.
[92] وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ فُحْلُون عَنْ
اَلْوَلِيِّ، عَنْ عَبْد الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ جَهْمَان أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى
اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ
جِئْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي اَللَّهُ بِهِ اَلْجَنَّةَ فَذَكَرَ
اَلْحَدِيثَ وَفِيهِ: ثُمَّ قَالَ لَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَلَّا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَتَيْنِ ثَقِيلَتَيْنِ فِي اَلْمِيزَانِ،
خَفِيفَتَيْنِ عَلَى اَللِّسَانِ، يُرْضِيَانِ اَلرَّحْمَنِ تَقُولُ: سُبْحَانَ
اَللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنَّهُمَا قَرِينَانِ.
[93] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ،
عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ اَلْفَارِسِيِّ
قَالَ: يُوضَعُ اَلْمِيزَانُ يَوْمَ
اَلْقِيَامَةِ، وَلَوْ وُضِعَ فِي كِفَّتِهِ اَلسَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ لَوَسِعَتْهَا،
فَتَقُولُ اَلْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا لِمَنْ يُوزَنُ بِهَذَا
فَيَقُولُ: مَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي، فَتَقُولُ اَلْمَلَائِكَةُ رَبَّنَا
عَبَدْنَاك حَقَّ عِبَادَتِكَ.
قَالَ يَحْيَى: قَوْلُهُ: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ
يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَزْنًاهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ
فَأُولَئِكَ اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ.
وَأَخْبَرَنِي اِبْنُ وَهْبٍ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ
عَنْ زُهَيْرِ بْنِ عَبَّادٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ
اَلْمَشَايِخِ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَفُضَيْلٍ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَابْنِ
اَلْمُبَارَكِ وَوَكِيعِ بْنِ اَلْجَرَّاحِ كَانُوا يَقُولُونَ: اَلْمِيزَانُ
حَقٌّ.
وَقَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ
مَعِينٍ عَنْهُ فَقَالَ: حَقٌّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَرَأَيْتُ فِي تَفْسِيرِ
اَلْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ
مِيزَانٌ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِالصِّرَاطِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِالصِّرَاطِ وَأَنَّ اَلنَّاسَ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَلَى
قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ.
[94] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ اِبْنِ خَالِدٍ عَنْ
اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي اِبْنُ مُسْهِرٍ
عَنْ دَاوُدَ، عَنْ اَلشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
سَأَلْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ
اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ
وَالسَّمَاوَاتُ أَيْنَ يَكُونُ اَلنَّاس يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى اَلصِّرَاطِ.
[95] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي
دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ اَلْحَسَنِ اَلْبَصْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ: يَا رَسُول
اَللَّهِ، أَيَذْكُرُ اَلرَّجُلُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حَمِيمَهُ؟ فَقَالَ:
ثَلَاثَةُ مَوَاطِنَ لَا يَذْكُرُ فِيهَا أَحَدٌ حَمِيمَهُ، عِنْدَ اَلْمِيزَانِ
حَتَّى يَنْظُرَ أَيَثْقُلُ مِيزَانُهُ أَوْ يَخِفُّ، وَعِنْدَ اَلصِّرَاطِ حَتَّى
يَنْظُرَ أَيَجُوزُ أَمْ لَا يَجُوزُ، وَعِنْدَ اَلصُّحُفِ حَتَّى يَنْظُرَ
أَبِيَمِينِهِ يَأْخُذُ صَحِيفَتَهُ أَمْ بِشِمَالِهِ.
[96] يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي اَلْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: "اَلصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ مِثْلُ حَدِّ اَلسَّيْفِ،
وَالْمَلَائِكَةُ مَعَهُمْ كَلَالِيبُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا وَقَعَ رَجُلٌ
اِخْتَطَفُوهُ فَيَمُرُّ اَلصَّفُّ اَلْأَوَّلُ كَالْبَرْقِ، وَالثَّانِي
كَالرِّيحِ، وَالثَّالِثُ كَأَجْوَدِ خَيْلٍ، وَالرَّابِعُ كَأَجْوَدِ
اَلْبَهَائِمِ، وَالْمَلَائِكَةُ يَقُولُونَ: اَللَّهُمَّ
سَلِّمْ سَلِّمْ".
يَحْيَى، فِي تَفْسِير اَلْكَلْبِيّ قَوْلُهُ: يَوْمَ
لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ قَالَ: يُعْطَى
كُلُّ مُؤْمِنٍ نُورًا وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ فَيَجُوزُونَ عَلَى
اَلصِّرَاطِ كَهَيْئَةِ اَلْبَرْقِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ كَرَكْضِ اَلْفَرَسِ
اَلْجَوَادِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْعَى سَعْيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْحَفُ زَحْفًا
وَهُمْ اَلَّذِينَ يَقُولُونَ: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ
لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِالشَّفَاعَةِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِالشَّفَاعَةِ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا
مَحْمُودًا}.
[97] وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ فَحْلُونَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ خَزْرَجِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
شَفَاعَتِي لِأَهْلِ اَلْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي.
[98] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ اِبْنِ خَالِدٍ، عَنْ
اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ اَلْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلُ مَنْ
تَنْشَقُّ عَنْهُ اَلْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ.
[99] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ،
عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: يَجْمَعُ اَللَّهُ
اَلنَّاسَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ حُفَاةً عُرَاةً كَمَا
خُلِقُوا يُسْمِعُهُمْ اَلدَّاعِي ويُنْفُذُهُمْ اَلْبَصَرُ، وَلَا تَتَكَلَّمُ
نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَأَوَّلُ مَنْ يُدْعَى مُحَمَّدٌ، يَا مُحَمَّدُ
فَيَقُولُ: "لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ
لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ، وَعَبْدُك بَيْنَ يَدَيْكَ،
وَمِنْكَ وَإِلَيْكَ، وَلَا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ،
وَعَلَى عَرْشِكَ اِسْتَوَيْتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ اَلْبَيْتِ، ثُمَّ يُقَالُ
لَهُ: اِشْفَعْ" قَالَ فَذَلِكَ اَلْمَقَامُ اَلْمَحْمُودُ اَلَّذِي وَعَدَهُ
اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
[100] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ اِبْنِ
وَضَّاحٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ اَلْأَعْمَشِ،
عَنْ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: يَصِفُ أَهْلَ اَلنَّارِ فَيُعْزَلُونَ قَالَ: فَيَمُرُّ
بِهِمْ اَلرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ فَيَقُولُوا لِرَجُلٍ مِنْهُمْ: يَا
فُلَانُ فَيَقُولُ: مَا لَكَ، فَيَقُولُ: أَتَذْكُرُ رَجُلًا سَقَاك شَرْبَةَ
مَاءٍ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنَّكَ
لَأَنْتَ هُوَ، قَالَ: فَيَقُولُ: نَعَمْ، قَالَ: فَيَشْفَعُ فِيهِ، قَالَ:
وَيَقُولُ اَلرَّجُلُ مِنْهُمْ: يَا فُلَانُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ:
أَمَا تَذْكُرُ رَجُلًا وَهَبَ لَكَ وَضُوءًا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ:
وَإِنَّكَ لَأَنْتَ هُوَ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: نَعَمْ،
قَالَ: فَيَشْفَعُ فِيهِ.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِإِخْرَاجِ قَوْمٍ مِنْ
اَلنَّارِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِأَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ نَاسًا اَلْجَنَّةَ مِنْ أَهْلِ
اَلتَّوْحِيدِ بَعْدَمَا مَسَّتْهُمْ اَلنَّارُ بِرَحْمَتِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
اِسْمُهُ، وَبِشَفَاعَةِ اَلشَّافِعِينَ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {رُبَمَا يَوَدُّ
اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} وَقَالَ: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ
شَفَاعَةُ اَلشَّافِعِينَ}.
[101] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي دَاوُدَ،
عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمِّيَّةَ بْنُ يَعْلَى اَلثَّقَفِيُّ عَنْ
سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ
صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ شَفَعَ
اَلنَّبِيُّ لِأُمَّتِهِ، وَالشَّهِيدُ لِأَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمُؤْمِنُ لِأَهْلِ
بَيْتِهِ وَيَبْقَى شَفَاعَةُ اَلرَّحْمَنِ، يُخْرِجُ اَللَّهُ أَقْوَامًا مِنْ
اَلنَّارِ قَدْ اِحْتَرَقُوا فِيهَا وَصَارُوا فَحْمًا، فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى
نَهْرٍ فِي اَلْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ اَلْحَيَاةُ فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ
اَلْحِبَّةُ فِي بَطْنِ اَلسَّيْلِ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ
فَهُمْ آخِرُ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ دُخُولًا وَأَدْنَاهُمْ مَنْزِلَةً.
[102] يَحْيَى قَالَ وَحَدَّثَنِي عُثْمَانُ عَنْ حَمَّادٍ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَقُولُ أَهْلُ
اَلنَّارِ لِمَنْ دَخَلَهَا مِنْ أَهْلِ اَلتَّوْحِيدِ قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ
مُسْلِمِينَ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ؟ قَالَ: فَيَقِفُ لَهُمْ اَلرَّبُّ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى فَيُدْخِلُهُمْ اَلْجَنَّةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَوَدُّ اَلَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.
[103] حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ،
عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد
الْأَعْلَى بْنُ عَبْد الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ اَلْمُغِيرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو
بْنِ عَبْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ
صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُوضَعُ اَلصِّرَاطُ بَيْنَ
ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ عَلَى حَسَكٍ كَحَسَكِ اَلسَّعْدَانِ، ثُمَّ يَسْتَجِيزُ
اَلنَّاسُ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوجٌ بِهِ، ثُمَّ نَاجٍ وَمُحْتَبَسٌ
وَمَنْكُوسٌ فِيهَا، فَإِذَا فَرَغَ اَللَّهُ مِنْ اَلْقَضَاءِ بَيْنَ اَلْعِبَادِ
يَفْقِدُ اَلْمُؤْمِنُونَ رِجَالًا كَانُوا فِي اَلدُّنْيَا يُصَلُّونَ
صَلَاتَهُمْ وَيُزَكُّونَ زَكَاتَهُمْ وَيَصُومُونَ صِيَامَهُمْ وَيَحُجُّونَ
حَجَّهُمْ وَيَغْزُونَ غَزْوَهُمْ فَيَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا عِبَادٌ مِنْ عِبَادِكَ
كَانُوا مَعَنَا فِي اَلدُّنْيَا يُصَلُّونَ صَلَاتَنَا، وَيُزَكُّونَ زَكَاتَنَا،
وَيَصُومُونَ صِيَامَنَا، وَيَغْزُونَ غَزْوَنَا لَا نَرَاهُمْ، قَالَ: فَيَقُولُ:
اِذْهَبُوا إِلَى اَلنَّارِ فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِيهَا فَأَخْرِجُوهُ قَالَ:
فَيَجِدُونَهُمْ قَدْ أَخَذَتْهُمْ اَلنَّارُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ
فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى قَدَمَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى
أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ
مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى أُزْرَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى عُنُقِهِ وَلَمْ
تَغْشَ اَلْوَجْهَ، قَالَ فَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا فَيَطْرَحُونَهُمْ فِي مَاءِ
اَلْحَيَاةِ، قِيلَ: يَا نَبِيَّ اَللَّهِ وَمَا مَاءُ اَلْحَيَاةِ؟ قَالَ: غُسْلُ
أَهْلِ اَلْجَنَّةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ اَلزَّرْعَةُ غُثَاء
اَلسَّيْلِ، ثُمَّ يَشْفَعُ اَلْأَنْبِيَاءُ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ مُخْلِصًا فَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا، قَالَ: ثُمَّ
يَتَحَنَّنُ اَللَّهُ بِرَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ فِيهَا فَمَا يَتْرُكُ فِيهَا
عَبْدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا أَخْرَجَهُ مِنْهَا.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِطُلُوعِ اَلشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِطُلُوعِ اَلشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَقَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ
يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}.
[104] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي
دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ
نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ
صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ
اَلشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا اَلنَّاسُ آمَنُوا كُلُّهُمْ،
فَذَلِكَ {يَوْمٌ لَا يَنْفَعُ نَفْسٌ
إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا
خَيْرًا}.
[105] يَحْيَى قَالَ: وَحَدَّثَنَا
حَمَّادٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ صَفْوَانَ
بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ بَابَ اَلتَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ مِنْ قِبَلِ اَلْمَغْرِبِ
أَوْ أَنَّ بِالْمَغْرِبِ بَابَ اَلتَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ مَسِيرَةَ خَمْسمِائَة
عَامٍ لَا يَزَالُ مَفْتُوحًا لِلتَّوْبَةِ مَا لَمْ تَطْلُعْ اَلشَّمْسُ مِنْ
مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ أُغْلِقَ.
[106] يَحْيَى وَحَدَّثَنِي اَلْمُعَلَّى عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ اِبْنُ عُمَرَ قَالَ:
"إِنَّ اَلشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ اَلْفَجْرُ، فَإِذَا
أَرَادَتْ أَنْ تَطْلُعَ تَقَاعَسَتْ حِينَ تَغْرُبُ بِالْعَمْدِ وَتَقُولُ: يَا
رَبِّ إِنِّي إِذَا طَلَعْتُ عُبِدْتُ دُونَكَ: فَتَطْلُعُ عَلَى وَلَدِ آدَمَ
فَتَجْرِي حَتَّى يَأْتِيَ اَلْمَغْرِبُ فَتُسَلِّمُ فَيَرُدُّ عَلَيْهَا
وَتَسْجُدُ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ لَهَا فَتَجْرِي إِلَى
اَلْمَشْرِقِ، وَالْقَمَرُ كَذَلِكَ، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا يَوْمٌ تَغْرُبُ
فِيهِ فَتُسَلِّمُ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا، وَتَسْجُدُ فَلَا يُنْظَرُ إِلَيْهَا،
وَتَسْتَأْذِنُ فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا فَتُحْبَسُ حَتَّى يَأْتِيَ اَلْقَمَرُ
فَيُسَلِّمُ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَيَسْجُدُ فَلَا يُنْظَرُ إِلَيْهِ ثُمَّ
يَسْتَأْذِنُ فَلَا يُؤْذَنُ لَهُ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمَا: اِرْجِعَا مِنْ حَيْثُ
جِئْتُمَا فَيَطْلُعَانِ مِنْ اَلْمَغْرِبِ كَالْبَعِيرَيْنِ اَلْمُقْتَرِنَيْنِ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ
يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} اَلْآيَةَ".
[107] يَحْيَى قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى اَلتَّوْأَمَةِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "اَللَّيْلَةُ
اَلَّتِي تَطْلُعُ فِي صَبِيحَتَهَا اَلشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، طُولُهَا قَدْرُ
ثَلَاثِ لَيَالٍ".
بَابُ: اَلْإِيمَانِ بِخُرُوجِ اَلدَّجَّالِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِخُرُوجِ اَلدَّجَّالِ أَعَاذَنَا اَللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ فِتْنَتِهِ.
[108] وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ فُحْلُّونَ عَنْ
اَلْعَكِيِّ عَنْ اِبْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي
اَلزُّبَيْرِ اَلْمَكِّيِّ، عَنْ طَاوُسٍ اَلْيَمَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يُعَلِّمُهُمْ هَذَا اَلدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ اَلسُّورَةَ مِنْ
اَلْقُرْآنِ يَقُولُ: اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ
بِكَ مِنْ عَذَابِ اَلْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ اَلْمَسِيحِ
اَلدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ اَلْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ.
[109] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ اِبْنِ
وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُوسَى
قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ
اَلدَّجَّالِ حَدِيثًا لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَبِيٌّ قَبْلِي؟ إِنَّهُ أَعْوَرُ
وَإِنَّهُ يَجِئُ مَعَهُ مِثْلُ اَلْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَاَلَّتِي يَقُولُ
إِنَّهَا اَلْجَنَّةُ فَهِيَ اَلنَّارُ، وَاَلَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا اَلنَّارُ
هِيَ اَلْجَنَّةُ، وَإِنِّي أُنْذِرُكُمْ بِهِ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ.
[110] اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ
نَافِعٍ، عَنْ اِبْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَكَرَ اَلْمَسِيحَ اَلدَّجَّالَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ اَلنَّاسِ،
فَقَالَ: إِنَّ اَللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّ اَلْمَسِيحَ اَلدَّجَّالَ
أَعْوَرُ اَلْعَيْنِ اَلْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ.
[111] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ
الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ اَلزُّهْرِيِّ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ اَلْأَنْصَارِيُّ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ
صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ وَهُوَ يُحَذِّرُهُمْ
فِتْنَةَ اَلدَّجَّالِ: إِنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتَّى
يَمُوتَ وَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ
عَمَلَهُ.
[112] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ
عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْمُعَلَّى بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَالَ عُمَرُ بْنُ اَلْخَطَّابِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ: "إِنَّ اَلرَّجْمَ
حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اَللَّهِ فَلَا تُفْتَنَّ عَنْهُ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِي قَوْمٌ
يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ وَبِالدَّجَّالِ، وَبِالْمِيزَانِ، وَبِالْحَوْضِ،
وَبِطُلُوعِ اَلشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَبِالشَّفَاعَةِ، وَبِأَقْوَامٍ يَخْرُجُونَ
مِنْ اَلنَّارِ".
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِنُزُولِ عِيسَى وَقَتْلِهِ
اَلدَّجَّالَ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ
بِنُزُولِ عِيسَى وَقَتْلِهِ اَلدَّجَّالَ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّهُ
لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} يَعْنِي عِيسَى. وَقَالَ: {وَإِن
مِّنْ أَهْلِ اَلْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} يَعْنِي: قَبْلَ مَوْتِ
عِيسَى.
[113] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي
دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدٌ عَنْ
اَلْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اَلْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ،
وَأَنَا أَوْلَى اَلنَّاسِ بِعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ، إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي
وَبَيْنَهُ نبيٌ وَإِنَّهُ نَازِلٌ لَا مَحَالَةَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ
فَاعْرِفُوهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعُ اَلْخَلْقِ، بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ
إِلَى اَلْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطُ اَلرَّأْسِ، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ مَاءً،
وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيَكْسِرُ اَلصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ اَلْخِنْزِيرَ،
وَيُقَاتِلُ اَلنَّاسَ عَلَى اَلْإِسْلَامِ، فَيُهْلِكَ اَللَّهُ فِي زَمَانِهِ
اَلْمِلَلَ كُلَّهَا غَيْرَ اَلْإِسْلَامِ، وَحَتَّى تَقَعَ اَلْأَمَنَةُ فِي
اَلْأَرْضِ، وَحَتَّى يَرْتَعَ اَلْأَسَدُ مَعَ اَلْإِبِلِ، وَالنُّمُورُ مَعَ
اَلْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ اَلْغَنَمِ، وَيَلْعَبَ اَلْغِلْمَانُ
بِالْحَيَّاتِ لَا يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: اَلثِّيَابُ اَلْمُمَصَّرَةُ: هِيَ
اَلَّتِي فِيهَا صُفْرَةٌ خَفِيفَةٌ.
[114] حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ عَنْ اِبْنِ
وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُوسَى
قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ اَلْحَضْرَمِيِّ بْنِ لَاحِقٍ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ اَلْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
دَخَلَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَآنِي أَبْكِي
فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللََهِ ذَكَرْتُ اَلدَّجَّالَ،
قَالَ: لَا تَبْكِي فَإِنْ يَخْرُجْ
وَأَنَا حَيٌّ أَكْفِيكُمُوهُ، وَإِنْ أَمُتْ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ
بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ مَعَهُ يَهُودُ أَصْبَهَانَ، فَيَسِيرُ حَتَّى
يَنْزِلَ بِنَاحِيَةِ اَلْمَدِينَةِ، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ،
عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ شِرَارُ أَهْلِهَا فَيَنْطَلِقَ
حَتَّى يَأْتِيَ لُدٍّ فَيَنْزِلَ عِيسَى فَيَقْتُلَهُ ثُمَّ يَمْكُثَ عِيسَى فِي
اَلْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ إِمَامًا عَدْلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا.
[115] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ
عَنْ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِقَالَ: حَدَّثَنِي
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَعْنِي نُزُولَ عِيسَى فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا
بِالسَّاعَةِ وَلَا تَشُكُّنَّ فِيهَا.
[116] قَالَ: حَدَّثَنِي قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِن
مِّنْ أَهْلِ اَلْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} قَالَ:
قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى إِذَا نَزَلَ وَيَوْمَ اَلْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا
بِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ وَأَقَرَّ بِالْعُبُودِيَّةِ عَلَى
نَفْسِهِ.
بَابٌ: فِي اَلْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد اللَّه: وَمِنْ قَوْلِ
أَهْلِ اَلسُّنَّةِ: أَنَّ اَلْمَقَادِيرَ كُلَّهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا حُلْوَهَا
وَمُرَّهَا مِنْ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ خَلَقَ اَلْخَلْقَ وَقَدْ
عَلِمَ مَا يَعْمَلُونَ وَمَا إِلَيْهِ يَصِيرُونَ، فَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا
مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهُوَ أَصْدَقُ اَلْقَائِلِينَ:
{أَلَا لَهُ اَلْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} وَقَالَ: {وَكَانَ أَمْرُ اَللَّهِ قَدَرًا
مَقْدُوراً} وَقَالَ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وَقَالَ: {قُلْ
لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اَللَّهُ لَنَا} وَقَالَ: {وَنَبْلُوكُمْ
بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} وَقَالَ:
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اَللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} وَقَالَ:
{إِنَّ اَلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} وَقَالَ:
{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} وَقَالَ: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى
هُدَاهُمْ فَإِنَّ اَللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} مِثْلُ هَذَا فِي
اَلْقُرْآنِ كَثِيرٌ.
[117] وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ عُبَيْد
اللَّهِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ اَلْيَمَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ
نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ:
كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ. قَالَ طَاوُسٌ: وَسَمِعْتُ عَبْد اللهِ بْنَ عُمَرَ
يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ
شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى اَلْعَجْزِ وَالْكَيْسِ أَوْ اَلْكَيْسِ وَالْعَجْزِ.
[118] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ
أَبِي مُحَمَّدٍ سَعِيدِ ابْنِ مَرْيَمَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْمُنْكَدِرِ أَنَّهُمَا
أَخْبَرَاهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: مَنْ ذَا اَلَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ
اَللَّهَ يُقَدِّرُ عَلَيَّ أَمْرًا يُعَذِّبُنِي عَلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ
أَبُو مُوسَى اَلْأَشْعَرِيُّ فَتَخَطَّى اَلنَّاسَ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ
فَقَالَ: أَنَا اَلَّذِي يَزْعُمُ ذَلِكَ فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، كِدْتُ أَهْلَكُ، صَدَقْتَ أَبَا مُوسَى، فَلَمَّا خَرَجَ
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُؤْمِنَنَّ أَحَدُكُمْ
حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وَيَعْلَمَ
أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ
لِيُصِيبَهُ.
[119] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ بْنِ عَبْد
الْعَزِيزِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْد الْأَعْلَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ
قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ قَتَادَةَ اَلسُّلَمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: خَلَقَ اَللَّهُ آدَمَ
ثُمَّ أَخَذَ اَلْخَلْقَ مِنْ ظَهْرِهِ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ فِي اَلْجَنَّةِ وَلَا
أُبَالِي، وَهَؤُلَاءِ فِي اَلنَّارِ وَلَا أُبَالِي قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ
اَللَّهِ فَعَلَى مَاذَا نَعْمَلُ؟ قَالَ: عَلَى
مَوَاقِعِ اَلْقَدَرِ.
[120] اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي
أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَتَبَ
اَللَّهُ مَقَادِيرَ اَلْخَلَائِقِ كُلَّهَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اَلسَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَعَرْشُهُ عَلَى اَلْمَاءِ.
[121] اِبْنُ وَهْبٍ وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عبدالرحمن،
عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ اَلسَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَعْمَلُ
بِعَمَلِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ
اَلنَّارِ، وَإِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ اَلنَّارِ فِيمَا
يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ.
[122] اِبْنُ وَهْبٍ وَحَدَّثَنِي اِبْنُ لَهِيعَةَ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ اَلْمَكِّيِّ أَنَّ
أَبَا اَلطُّفَيْلِ اَلْبَكْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ اِبْنَ مَسْعُودٍ
يَقُولُ: إِنَّ اَلشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ
بِغَيْرِهِ.
فَقُلْتُ: كَيْفَ
يَشْقَى مَنْ لَمْ يَعْمَلْ؟ فَلَقِيتُ حُذَيْفَةَ بْنَ أُسَيْدٍ اَلْغِفَارِيَّ
فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ اِبْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ لِي: سَمِعْتُ
رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ
اَللَّهَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ اَلْعَبْدَ قَالَ اَلْمَلَكُ: يَا
رَبَّنَا ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقُولُ اَلرَّبُّ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ
اَلْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ اَلْمَلَكُ رَبَّنَا شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَيَقُولُ
اَلرَّبُّ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ، ثُمَّ يَقُولُ اَلْمَلَكُ رَبَّنَا مَا (...)
فَيَقُولُ اَلرَّبُّ مَا شَاءَ، ثُمَّ يَقُولُ اَلْمَلَكُ: مَا رِزْقُهُ؟
فَيَقُولُ اَلرَّبُّ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ اَلْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبَّنَا
مَا أَجَلُهُ؟ فَيَقُولُ اَلرَّبُّ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ اَلْمَلَكُ.
[123] اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ
سَعْدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَفْصٍ اَلْقُرَشِيِّ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَيُفْتَحُ عَلَى أُمَّتِي فِي آخِرِ
اَلزَّمَانِ بَابٌ مِنْ اَلْقَدَرِ وَلَا يَسُدُّهُ شَيْءٌ وَيَكْفِيكُمْ أَنْ
تَقْرَءُوا هَذِهِ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اَللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌوَقَوْلُهُ:
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اَللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي اَلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ
ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اَللَّهِ يَسِيرٌ.
[124] اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ
مَيْسَرَةَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ سُوَيْدٍ أَنَّ عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ: "يَا رَبِّ إِنَّكَ
عَدْلٌ، وَقَضَاؤُك عَدْلٌ فَكَيْفَ يَقْضِي اَلْعَبْدُ عَلَى اَلذَّنْبِ ثُمَّ
تُعَذِّبُهُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: يَا اِبْنَ اَلْبَتُولِ إِلْهَ عَنْ هَذَا
فَإِنَّهُ مِنْ مَكْنُونِ عِلْمِي".
[125] اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ
مَيْسَرَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ اَلثَّوْرِيِّ أَنَّ عُزَيْرًا سَأَلَ
رَبَّهُ عَنْ مِثْلِ مَا سَأَلَهُ عِيسَى فَقَالَ: اِنْتَهِ عَنْ هَذَا فَأَعَادَ
ذَلِكَ مِرَارًا، قَالَ لَهُ: سَأَلْتَنِي عَنْ عِلْمِي وَإِنَّ عُقُوبَتَك
عِنْدِي أَنْ أَمْحُوَ اِسْمَكَ مِنْ اَلنُّبُوَّةِ".
[126] اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي
اِبْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ
سَالِمَ بْنَ عَبْد اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ
فَقَالَ لَهُ: اَلزِّنَا مُقَدَّرٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ كُلُّ شَيْءٍ كَتَبَهُ
اَللَّهُ عَلَيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ: قَالَ: كَتَبَهُ
عَلَيَّ وَيُعَذِّبُنِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَأَخَذَ سَالِمٌ اَلْحَصَى فَحَصَبَهُ.
[127] اِبْنُ وَهْبٍ وَحَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ
أَنَّ غَيْلَانَ وَقَفَ عَلَى رَبِيعَةَ فَقَالَ: يَا رَبِيعَةُ أَنْتَ اَلَّذِي
تَزْعُمُ أَنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُعْصَى، قَالَ: رَبِيعَةُ: وَيْحَكَ يَا
غَيْلَانُ فَأَنْتَ اَلَّذِي تَزْعُمُ أَنْ يُعْصَى قَسْرًا.
[128] اِبْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي اِبْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ
عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْد الْعَزِيزِ يَقُولُ: إِنَّ
اَللَّهَ لَوْ أَرَادَ أَنْ لَا يُعْصَى لَمْ يَخْلُقْ إِبْلِيسَ.
[129] اِبْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي زَيْدُ الْحُبَابِ عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ اَلثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ اَلْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: مَا أَصَابَكَ
مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اَللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ
نَفْسِكَقَالَ: فَذَنْبُك وَأَنَا قَدَرْتُ عَلَيْكَ.
[130] وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ
بْنِ جَعْفَرِ بْنِ اَلْوَرْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْأَرْطَانِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي اَلْحَوَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
سُلَيْمَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي
شَأْنٍقَالَ: لَيْسَ فِي إِحْدَاثٍ، وَلَكِنْ فِي تَنْفِيذِ مَا قُدِّرَ أَنْ
يَكُونَ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ لَيْسَ مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ يُحْدَثُ.
[131] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ المعفاني عَنْ يُونُسَ بْنِ
عَبْد الْأَعْلَى عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ
أَبْيَنُ فِي اَلرَّدِّ عَلَى أَهْلِ اَلْقَدَرِ مِنْ قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اَللَّهُ إِنَّ اَللَّهَ كَانَ
عَلِيمًا حَكِيمًا يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ
لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ
بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} وَقَالَ: {وَيُضِلُّ اَللَّهُ
اَلظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اَللَّهُ مَا يَشَاءُ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
{لَتُفْسِدُنَّ فِي اَلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}
وَقَالَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اَللَّهُ تَعَالَى: وَمِثْلُ هَذَا فِي اَلْقُرْآنِ
كَثِيرٌ.
بَابٌ: فِي أَنَّ اَلْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ
أَنَّ اَلْإِيمَانَ إِخْلَاصٌ لِلَّهِ بِالْقُلُوبِ وَشَهَادَةٌ بِالْأَلْسِنَةِ
وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، عَلَى نِيَّةٍ حَسَنَةٍ وَإِصَابَةِ اَلسُّنَّةِ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ
اَلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ
اَلصَّادِقُونَ} وَقَالَ: {إِنَّ اَللَّهَ
اِشْتَرَى مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
اَلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ
وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي اَلتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ
أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اَللَّهِ} ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ فَقَالَ:
{اَلتَّائِبُونَ اَلْعَابِدُونَ اَلْحَامِدُونَ اَلسَّائِحُونَ اَلرَّاكِعُونَ اَلسَّاجِدُونَ
اَلْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ
لِحُدُودِ اَللَّهِ وَبَشِّرِ اَلْمُؤْمِنِينَ}
وَقَالَ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا اَلصَّلَاةَ
وَآتَوُا اَلزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}.
وَقَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ اَلْكَلِمُ اَلطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ اَلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْإِيمَانُ بِاَللَّهِ هُوَ
بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ وَتَصْدِيقِ ذَلِكَ اَلْعَمَلِ، فَالْقَوْلُ وَالْعَمَلُ
قَرِينَانِ لَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا إِلَّا بِصَاحِبِهِ.
[132] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ أَبِي
مُحَمَّدٍ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدٌ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْد اللهِ اَلْمَسْعُودِيُّ عَنْ اَلْقَاسِمِ
بْنِ عَبْد الرَّحْمَن أَنَّ رَجُلًا أَتَى إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ: يَا أَبَا
ذَرٍّ مَا اَلْإِيمَانُ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ لَيْسَ اَلْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
قِبَلَ اَلْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ اَلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى
اَلْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي اَلْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ
اَلسَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي اَلرِّقَابِ وَأَقَامَ اَلصَّلَاةَ وَآتَى
اَلزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي
اَلْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ اَلْبَأْسِ أُولَئِكَ اَلَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ
هُمُ اَلْمُتَّقُونَ.
فَقَالَ اَلرَّجُلُ: لَيْسَ عَنْ اَلْبِرِّ
سَأَلْتُكَ; فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَتَى اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتَ عَنْهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ
اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَلَّذِي قَرَأْتُ عَلَيْكَ، فَأَبَى
أَنْ يَرْضَى كَمَا أَبَيْتَ أَنْ تَرْضَى.
[133] أَسَدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ قَالَ سَمِعْتُ اَلْحَسَنَ اَلْبَصْرِيَّ يَقُولُ: لَا
يَسْتَوِي قَوْلٌ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا يَصْلُحُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ إِلَّا
بِنِيَّةٍ، وَلَا يَصْلُحُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إِلَّا بِالسُّنَّةِ.
[134] أَسَدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنْ سُفْيَانَ،
عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلٌ إِلَّا بِعَمَلٍ،
وَلَا قَوْلٌ وَعَمَلٌ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إِلَّا
بِنِيَّةِ مُوَافَقَةِ السُّنَّةِ.
[135] أَسَدٌ قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ
قَالَ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ اَلثَّوْرِيَّ وَهِشَامَ بْنَ حَسَّانٍ عَنْ
اَلْإِيمَانِ؟ فَقَالَا: اَلْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ.
قَالَ يَحْيَى: وَسَأَلْتُ اِبْنَ جُرَيْجٍ عَنْهُ:
فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَسَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ.
بَابٌ: فِي تَمَامِ اَلْإِيمَانِ وَزِيَادَتِهِ
وَنُقْصَانِهِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ:
إِنَّ اَلْإِيمَانَ دَرَجَاتٌ وَمَنَازِلُ يَتِمُّ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَلَوْلَا
ذَلِكَ اِسْتَوَى فِيهِ اَلنَّاسُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّابِقِ فَضْلٌ عَلَى اَلْمَسْبُوقِ.
وَبِرَحْمَةِ اَللَّهِ وَبِتَمَامِ اَلْإِيمَانِ يَدْخُلُ اَلْمُؤْمِنُونَ
اَلْجَنَّةَ، وَبِالزِّيَادَةِ فِيهِ يَتَفَاضَلُونَ فِي اَلدَّرَجَاتِ {أُنْظُرْ
كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ
وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} وَمِثْلُ هَذَا فِي اَلْقُرْآنِ كَثِيرٌ.
[136] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ،
عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي
اَلْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اَلدَّرَجَةُ فِي اَلْجَنَّةِ فَوْقَ اَلدَّرَجَةِ كَمَا
بَيْنَ اَلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِنَّ اَلرَّجُلَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ فَيَلْمَعُ
بَرْقٌ يَكَادُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ، فَيَفْزَعُ لِذَلِكَ فَيَقُولُ مَا هَذَا؟
فَيُقَالُ هَذَا نُورُ أَخِيكَ فُلَانٍ، فَيَقُولُ أَخِي فُلَانٍ، كُنَّا نَعْمَلُ
فِي اَلدُّنْيَا جَمِيعًا وَقَدْ فَضَلَ عَلَيَّ هَكَذَا، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ
كَانَ أَفْضَلَ مِنْكَ عَمَلًا، ثُمَّ يُجْعَلُ فِي قَلْبِهِ اَلرِّضَا حَتَّى
يَرْضَى.
[137] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْد
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ
اِقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ
قِيرَاطٌ كُلَّ يَوْمٍ.
[138] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَامِدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ ذَرٍّ عَنْ
وَائِلِ بْنِ مَهَانَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُقْصَانُ دِينِ اَلنِّسَاءِ
اَلْحَيْضُ.
[139] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ عَنْ اِبْنِ
وَضَّاحٍ عَنْ اِبْنِ شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكْمَلُ اَلْمُؤْمِنِينَ
إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً.
[140] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ أَبِي مَرْيَمَ،
عَنْ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
الْخَطْمِيِّ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ صَاحِبِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اَلْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ قَالُوا: وَمَا
زِيَادَتُهُ وَنُقْصَانُهُ؟ قَالَ: إِذَا
ذَكَرْنَا اَللَّهَ وَصُمْنَا وَصَلَّيْنَا زَادَ، وَإِذَا غَفَلْنَا وَسَهَوْنَا
نَقَصَ.
[141] أَسَدٌ قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي
عَيَّاشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبِيعَةَ
اَلْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:
"اَلْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ".
[142] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ يُونُسَ
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اِبْنُ سَمْعَانَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ حُسَيْنٍ أَخْبَرَهُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ اَلْأَشْعَرِيِّ
حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا
قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ فَرَغَ مِنْ حَدِيثِهِ خَلَفَهُ عَبْد اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ
فِي مَجْلِسِهِ وَأَخَذَ بِيَدِ اَلصَّاحِبِ لَهُ أَوْ اَلصَّاحِبَيْنِ أَوْ
اَلثَّلَاثَةِ فَيَقُولُ: تَعَالَوْا نَزْدَدْ إِيمَانًا، تَعَالَوْا نُؤْمِنْ
سَاعَةً، تَعَالَوْا نَذْكُرْ رَبَّنَا بِطَاعَتِهِ لَعَلَّهُ يَذْكُرُنَا بِرَحْمَتِهِ.
فَانْطَلَقَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ اَلْإِيمَانِ اَلْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إِلَهَ
إِلَّا اَللَّهُ لَا تُكَفِّرْهُ وَلَا تُخْرِجْهُ مِنْ اَلْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ
وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اَللَّهُ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ
أُمَّتِي اَلدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ،
وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ كُلِّهَا
[143] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ يُونُسَ،
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي رِجَالٌ عَنْ اَلْأَوْزَاعِيِّ عَنْ
اَلْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُنِيَ اَلْإِسْلَامُ عَلَى ثَلَاثٍ فَذَكَرَ
اَلْحَدِيثَ وَفِيهِ: وَكُفُّوا عَنْ أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، لَا
تُكَفِّرُوهُمْ بِذَنْبٍ وَلَا تَشْهَدُوا عَلَيْهِمْ بِشِرْكٍ.
[144] إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَام، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ
وَهْبٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ اَلْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي
سُفْيَانَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ جَابِرَ بْنَ عَبْد اللهِ هَلْ كُنْتُمْ
تُسَمُّونَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ كَافِرًا؟ قَالَ: مَعَاذَ اَللَّهِ،
قَالَ: فَهَلْ تُسَمُّونَهُ مُشْرِكًا؟ قَالَ: لا.
[145] حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَسْلَمُ عَنْ
يُونُسَ عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ
اَلْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةَ، عَنْ اَلْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُنْزِلُوا اَلْعَارِفِينَ
اَلْمُحْدِثِينَ اَلْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَتَّى يَكُونَ اَللَّهُ هُوَ اَلَّذِي
يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ.
[146] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ
مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ اِبْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ
بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا لَا نَقُولُ فِي رَجُلٍ شَيْئًا حَتَّى نَنْظُرَ
عَلَى أَيِّ حَالٍ يَمُوتُ، فَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ رَجَوْنَا أَنْ يُصِيبَ خَيْرًا،
وَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ خِفْنَا عَلَيْهِ.
اِبْنُ وَضَّاحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زُهَيْرُ بْنُ
عَبَّادٍ قَالَ: كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ اَلْمَشَايِخِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ
وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ
وعَبْد اللهِ بْنِ اَلْمُبَارَكِ وَوَكِيعِ بْنِ اَلْجَرَّاحِ وَغَيْرِهِمْ لَا يُكَفِّرُونَ
أَحَدًا بِذَنْبٍ، وَلَا يَشْهَدُونَ لِأَحَدٍ أَنَّهُ فِي اَلْجَنَّةِ، وَإِنْ
لَمْ يَعْصِ اَللَّهَ وَلَا أَنَّهُ فِي اَلنَّارِ، وَإِنْ عَمِلَ اَلْكَبَائِرَ،
وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَهُوَ عِنْدَهُمْ مُبْتَدِعٌ.
قَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ: وَقَالَ لِي يُونُسُ بْنُ
عَبْد الْأَعْلَى: اِلْزَمْ هَذَا وَلَا تَدَعْهُ. وَقَالَ حُسَيْنُ بْنُ اَلْحَسَنِ
الْمَرْوَزِيُّ: نَعَمْ، هَذَا هُوَ اَلْحَقُّ وَلَا يَقُولُ خِلَافَهُ إِلَّا
زِنْدِيقٌ.
بَابٌ: فِي اَلِاسْتِغْفَارِ لِأَهْلِ اَلْقِبْلَةِ
وَالصَّلَاةِ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ لَا
يَحْجُبُونَ اَلِاسْتِغْفَارَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ، وَلَا
يَرَوْنَ أَنْ تُتْرَكَ اَلصَّلَاةُ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ
أَهْلِ اَلْإِسْرَافِ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}
{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}.
[147] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ يُونُسَ،
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
أُسَيْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ اَلْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ اَلْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ دَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات،
رَدَّ اَللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا دَعَا بِهِ مِمَّنْ مَضَى وَمِمَّنْ بَقِيَ.
وَأَخْبَرَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ
زُهَيْرِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: كَانَ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ اَلْمَشَايِخِ يَرَوْنَ
أَنْ لَا تُتْرَكَ اَلصَّلَاةُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ وَإِنْ
عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ.
[148] وَحَدَّثَنِي أَبِي سَعِيدُ بْنُ فَحْلُونَ عَنْ
اَلْعَنَاقِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ رَحِمَهُ اَللَّهُ أَنَّهُ قَالَ:
اَلسُّنَّةُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَنْ وَحَّدَ اَللَّهَ، وَإِنْ مَاتَ
مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ بِالذُّنُوبِ، وَإِنْ كَانَتْ كَبَائِرَ، إِذَا كَانَ مُسْتَمْسِكًا
بِالتَّوْحِيدِ مُقِرًّا بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ، فَإِنَّهُ يُصَلَّى
عَلَيْهِ، وَإِثْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَحِسَابُهُ عَلَى رَبِّهِ، وَهُوَ عِنْدَنَا
مُؤْمِنٌ بِذَنْبِهِ، إِنْ شَاءَ اَللَّهُ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ،
وَلَا نُخْرِجُهُ بِالذُّنُوبِ مِنْ اَلْإِسْلَامِ، وَلَا يُوجِبُ لَهُ بِهَا
اَلنَّارَ حَتَّى يَكُونَ اَللَّهُ اَلَّذِي يَحْكُمُ فِيهِ بِعِلْمِهِ،
وَيُصَيِّرُهُ إِلَى حَيْثُ شَاءَ مِنْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ، إِلَّا أَنَّا نَرْجُو
لِلْمُحْسِنِ وَنخْشَى عَلَى الْمُسِيءِ اَلْمُذْنِبِ.
بِهَذَا نَدِينُ اَللَّهَ وَبِهِ نُوصِي مَنْ
اِقْتَدَى بِنَا وَأَخَذْنَا بِهَدْيِنَا وَهُوَ اَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ
اَلسُّنَّةِ وَجُمْهُورُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ رَحِمَهُ اَللَّهُ: وَمَعْنَى
حَدِيثِ عَبْدِ اللِّهِ بْنِ عُمَرَ: "إِذَا لَقِيتُمْ شَرَبَةَ اَلْخَمْرِ
فَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا
فَلَا تَشْهَدُوهُمْ" إِنَّمَا يَعْنِي نَأْخُذُ بِذَلِكَ اَلرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ
نَفْسِهِ، وَلَا يَعْنِي أَنَّ اَلصَّلَاةَ تُتْرَكُ عَلَيْهِمْ أَصْلاً.
وَأَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ لُبَابَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْعُتْبِيِّ قَالَ: سُئِلَ سَحْنُونُ
عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي أَهْلِ اَلْبِدَعِ الْإِبَاضِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ
وَجَمِيعِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ:
إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَأْدِيبًا لَهُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ عَلَى هَذَا
اَلْوَجْهِ، فَأَمَّا إِذَا وُقِفُوا، وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ،
فَأَرَى أَنْ لَا يُتْرَكُوا بِغَيْرِ صَلَاةٍ. قِيلَ لَهُ فَهَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ
قَتَلَهُمْ اَلْإِمَامُ مِنْ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ لَمَّا بَانُوا عَنْ اَلْجَمَاعَةِ
وَدَعَوْا إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ وَنَصَبُوا اَلْحَرْبَ هَلْ يُصَلَّى
عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَهُمْ مِنْ اَلْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ بِذُنُوبِهِمْ
اَلَّتِي اِسْتَوْجَبُوا بِهَا اَلْقَتْلَ يُتْرَكُونَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ. فَقِيلَ
لَهُ: فَمَا اَلْقَوْلُ فِي إِعَادَةِ اَلصَّلَاةِ خَلْفَ أَهْلِ اَلْبِدَعِ؟
فَقَالَ: لَا يُعَادُ فِي اَلْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ.
وَكَذَلِكَ يَقُولُ أَشْهَبُ وَالْمُغِيرَةُ
وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَقَدْ أَنْزَلَهُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ
اَلصَّلَاةَ تُعَادُ خَلْفَهُ فِي اَلْوَقْتِ وَبَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ
اَلنَّصْرَانِيِّ، وَرَكَّبَ قِيَاسَ قَوْلِ الْإِبَاضِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ
اَلَّذِينَ يُكَفِّرُونَ جَمِيعَ اَلْمُسْلِمِينَ بِالذُّنُوبِ مِنْ اَلْقَوْلِ.
بَابٌ: فِي اَلْأَحَادِيثِ اَلَّتِي فِيهَا نَفْيُ
اَلْإِيمَانِ بِالذُّنُوبِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا
اَلْبَابِ كَثِيرَةٌ وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ لَكَ شَيْئًا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ
عَلَى مَعَانِي مَا ضَاهَاهَا مِمَّا لَمْ أَذْكُرْهُ وَتَحْرِيفِ تَأْوِيلِهَا
كَفَّرَ اَلْخَوَارِجُ اَلنَّاسَ بِصِغَارِ اَلذُّنُوبِ وَكِبَارِهَا، مِنْهَا مَا
حَدَّثَنِي بِهِ:
[149] إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَزْنِي اَلزَّانِي
حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ،
وَلَا يَشْرَبُ اَلْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ
نُهْبَةً يَرْفَعُ اَلنَّاسُ أَبْصَارَهُمْ إِلَيْهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ.
[150] أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ
اَلْمِقْدَامِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: مَا خَطَبَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا
قَالَ: لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ.
[151] أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا اِبْنُ هَارُونَ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَانِ
بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا هُوَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ
بَوَائِقَهُ.
[152] أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْد اللهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ اَلْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ
عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ اَلْمُؤْمِنُ
بِاللَّعَّانِ وَلَا اَلطَّعَّانِ، وَبِالْفَاحِشِ وَلَا بِالْبَذِيءِ.
[153] أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ
عَنْ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ اِبْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَلَا يُبْغِضُ اَلْأَنْصَارَ رِجْلٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ اَلْآخِرِ.
[154] وَحَدَّثَنِي اِبْنُ فَحْلُونَ عَنْ العَكِيِّ، عَنْ
اِبْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ:
قِيلَ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ اَلْمُؤْمِنُ
كَذَّابًا؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: فَهَذِهِ
اَلْأَقْوَالُ اَلْمَذْمُومَةُ فِي هَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ لَا تُزِيلُ إِيمَانًا
وَلَا تُوجِبُ كُفْرًا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ اَلْعُلَمَاءِ مَعْنَاهَا:
اَلتَّغْلِيظُ لِيَهَابَ اَلنَّاسُ اَلْأَفْعَالَ اَلَّتِي ذَكَرَ اَلْحَدِيثَ
أَنَّهَا تَنْفِي اَلْإِيمَانَ وَتُجَانِبُهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اَلْمَرَادُ بِهَا أَنَّهَا تَنْفِي
مِنْ اَلْإِيمَانِ حَقِيقَتَهُ وَإِخْلَاصَهُ فَلَا يَكُونُ إِيمَانُ مَنْ
يَرْتَكِبُ هَذِهِ اَلْمَعَاصِيَ خَالِصًا حَقِيقِيًّا كَحَقِيقَةِ إِيمَانِ مَنْ
لَا يَرْتَكِبُهَا. لِأَهْلِ اَلْإِيمَانِ عَلَامَةٌ يُعْرَفُونَ بِهَا، وَشُرُوطٌ
أُلْزِمُوهَا، يَنْطِقُ بِهَا اَلْقُرْآنُ وَالْآثَارُ فَإذَا نُظِرَ إِلَى مَنْ
خَالَطَ إِيمَانَهُ هَذِهِ اَلْمَعَاصِي قِيلَ لَيْسَ مِمَّا وُصِفَ بِهِ أَهْلُ
اَلْإِيمَانِ فَنفَيَتْ هَذِهِ حِينَئِذٍ حَقِيقَةَ اَلْإِيمَانِ وَتَمَامَهُ،
وَهَذَا اَلتَّأْوِيلُ أَشْبَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[155] وَيُصَدِّقُهُ عِنْدِي قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ
عَنْهُ: "لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ اَلْإِيمَانِ حَتَّى يَدَعَ
اَلْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ، وَالْكَذِبَ فِي اَلْمِزَاحِ".
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ،
عَنْ الصُّمَادِحِيِّ عَنْ اِبْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَا
يَبْلُغُ، وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ.
[156] وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ عَبْد اللهِ بْنِ
عَمْرٍو: "لَا يُؤْمِنُ اَلْعَبْدُ كُلَّ اَلْإِيمَانِ حَتَّى لَا يَأْكُلَ
إِلَّا طَيِّبًا، وَيُتِمَّ اَلْوُضُوءَ عَلَى اَلْمَكَارِهِ، وَيَدَعَ اَلْكَذِبَ
وَلَوْ فِي اَلْمِزَاحِ". حَدَّثَنِي بِذَلِكَ إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ يُونُسَ،
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَشِيطٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ رَافِعٍ،
عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ.
بَابٌ: فِي اَلْأَحَادِيثِ اَلَّتِي فِيهَا ذِكْرُ
اَلشِّرْكِ وَالْكُفْرِ
قَالَ: مُحَمَّدٌ:
[157] حَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ
الصُّمَادِحِيِّ، عَنْ اِبْنِ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ اَلْأَعْمَشِ،
عَنْ أَبِي اَلضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ
بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.
[158] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ،
عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ عَنْ عَبْد اللَّه، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
اَلنُّعْمَانِ بْنِ عُمْرِو بْنِ مُقْرِنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سِبَابُ اَلْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ.
[159] اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ اَلْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعْدِ
بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ اِبْنِ عُمَرَ
فَحَلَفَ رَجُلٌ بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ لَهُ اِبْنُ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ
عَنْهُ: وَيْحَكَ، لَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ
بِغَيْرِ اَللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ أَوْ كَفَرَ.
[160] اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ
عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حَكِيمٍ اَلْأَشْرَمِ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ اِمْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا
وَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ.
[161] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ يُونُسَ،
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا اَللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ أَنَّ مَحْمُودَ
بْنَ رَبِيعٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ ثُمَّ قَالَ: لَا
يَبْعُدُ اَلْإِسْلَامُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: وَمَاذَا يُتَّهَمُونَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: اَلشِّرْكُ وَشَهْوَةٌ خَفِيَّةٌ، قُلْتُ: أَيُخَافُ عَلَيْهِمْ اَلشِّرْكُ
وَقَدْ عَرَفُوا اَللَّهَ؟ فَدَفَعَ بِكَفِّهِ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ،
وَمَا اَلشِّرْكُ إِلَّا أَنْ تَجْعَلَ مَعَ اَللَّهِ إِلَهًا آخَرَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: فَهَذِهِ اَلْأَحَادِيثُ وَمَا
أَشْبَهَهَا مَعْنَاهَا أَنَّ هَذِهِ اَلْأَفْعَالَ اَلْمَذْكُورَةَ فِيهَا مِنْ أَخْلَاقِ
اَلْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَسُنَنِهِمْ مَنْهِيٌّ عَنْهَا لِيَتَحَاشَهَا
اَلْمُسْلِمُونَ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونُ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا مُشْرِكًا
بِاَللَّهِ أَوْ كَافِرًا فَلَا يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اَلنَّبِيِّ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ اَلنَّمْلِ عَلَى
اَلْحَجَرِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ اَلصِّدِّيقُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ: إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ
أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا لَا أَعْلَمُ.
[162] حَدَّثَنِي بِذَلِكَ إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ
يُونُسَ عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
اِبْنُ أَنْعَمَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: اَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ اَلنَّمْلِ وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ
وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي آدَمَ وَحَوَّاءَ: فَلَمَّا
آتَاهُمَا صَالِحًا-وَلَدٌ ذَكَرٌ- جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا
فَتَعَالَى اَللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَوَذَلِكَ إِنَّمَا سَمَّيَاهُ عَبْدَ
الْحَارِث، وَعَلَّمَنَا أَنَّ ثَمَّ شِرْكًا غَيْرَ شِرْكِ مَنْ يَجْعَلُ مَعَهُ
إِلَهًا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اَللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ اَلْكَافِرُونَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ
لِسَائِلٍ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ: لَيْسَ هُوَ كُفْرٌ يَنْقُلُ عَنْ اَلْمِلَّةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ اَلْكُفْرِ أَيْضًا مَا
جَاءَ فِي اَلْأَحَادِيثِ مَا يَكُونُ مَعْنَاهُ كُفْرُ اَلنِّعْمَةِ.
[163] مِنْهُ قَوْلُ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي اَلنِّسَاءِ ذَكَرَ اَلنَّارَ فَقَالَ: وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ
أَهْلِهَا اَلنِّسَاءَ قَالُوا بِمَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ؟ قَالَ:
"بِكُفْرِهِنَّ" قِيلَ
يَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ، قَالَ: "يَكْفُرْنَ اَلْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ اَلْإِحْسَانَ
لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ اَلدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا
قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ.
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ سَعِيدٌ عَنْ اَلْعَلَاءِ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ
بْنِ يَسَارٍ، عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ ذَكَرَ اَلْحَدِيثَ فِي خُسُوفِ
اَلشَّمْسِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَفِي آخِرِهِ مَا ذَكَرَهُ عَنْ اَلنِّسَاءِ.
[164] وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ: إِنَّ اَللَّهَ لَيُصَبِّحُ اَلْقَوْمَ بِالنِّعْمَةِ أَوْ
يُمَسِّيهِمْ بِهَا، ثُمَّ يُصْبِحُ قَوْمٌ بِهَا كَافِرِينَ يَقُولُونَ مُطِرْنَا
بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا حَدَّثَنِي بِذَلِكَ إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ
يُونُسَ، عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ اَلْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْد
الرَّحْمَن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى ..." وَذَكَرَ
اَلْحَدِيثَ.
بَابٌ: فِي ذِكْرِ اَلْأَحَادِيثِ اَلَّتِي فِيهَا
ذِكْرُ اَلنِّفَاقِ
قَالَ مُحَمَّدٌ:
[165] حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ عَنْ اِبْنِ
وَضَّاحٍ عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْأَعْمَشُ عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْبَعٌ مَنْ
كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ
كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ اَلنِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ،
وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ.
[166] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ يُونُسَ،
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ اَلْحَسَنَ بْنَ
أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْبَصْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ
وَزَعَمَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ،
وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ.
[167] اِبْنُ وَهْبٍ عَنْ اِبْنِ أَنْعَمَ عَنْ سَعْدِ بْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
اَللِّينُ وَالْحَيَاءُ مِنْ اَلْإِيمَانِ، وَالْفُحْشُ وَالْبَذَاءُ مِنْ
اَلنِّفَاقِ.
[168] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ
الصُّمَادِحِيِّ عَنْ اِبْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي اَلْأَحْوَصِ سَلَامِ بْنِ
سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَرِيبٍ اَلْهَمْدَانِيِّ قَالَ قُلْتُ
لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّا إِذَا دَخَلْنَا عَلَى اَلْأُمَرَاءِ زَكَّيْنَاهُمْ بِمَا
لَيْسَ فِيهِمْ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ دَعَوْنَا عَلَيْهِمْ، قَالَ:
كُنَّا نَعُدُّ ذَلِكَ اَلنِّفَاقَ.
[169] حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ اِبْنِ فَحْلُون عَنْ
اَلْعِنَاقِيّ عَنْ عَبْد الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنِي
أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ
اِبْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "اَلْغِنَاءُ يُنْبِتُ اَلنِّفَاقَ فِي اَلْقَلْبِ
كَمَا يُنْبِتُ اَلْمَاءُ اَلزَّرْعَ".
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالنِّفَاقُ لَفْظٌ إِسْلَامِيٌّ
لَمْ تَكُنْ اَلْعَرَبُ قَبْلَ اَلْإِسْلَامِ تَعْرِفُهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ
"نَافِقِ اَلْيَرْبُوعِ" وَهُوَ جُحْرٌ مِنْ جُحُورِهِ يَخْرُجُ مِنْهُ
إِذَا أُخِذَ عَلَيْهِ اَلْجُحْرُ اَلَّذِي فِيهِ دَخَلَ. فَيُقَالُ قَدْ نَفَقَ وَنَافَقَ
وَمُنَافِقٌ يَدْخُلُ فِي اَلْإِسْلَامِ بِاللَّفْظِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِالْعَقْدِ
شَبِيهٌ بِفِعْلِ اَلْيَرْبُوعِ; لِأَنَّهُ يَدْخُلُ مِنْ بَابٍ وَيَخْرُجُ مِنْ
بَابٍ، فَمَا كَانَ مِنْ اَلْأَحَادِيثِ فِيهَا ذِكْرُ اَلنِّفَاقِ وَلَيْسَ
مَعْنَاهَا أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فِيهَا فَهُوَ مُنَافِقٌ
كَنِفَاقِ مَنْ يُظْهِرُ اَلْإِسْلَامَ وَيُسِرُّ اَلْكُفْرَ أَنَّهَا مَعْنَاهَا
أَنَّ هَذِهِ اَلْأَفْعَالَ وَالْأَخْلَاقَ مِنْ أَخْلَاقِ اَلْمُنَافِقِينَ
وَشِيَمِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ، هَذَا وَمِثْلُهُ. يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ.
[170] أَنَّ رَجُلًا أَتَى اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنِّي قَرَأْتُ اَلْبَارِحَةَ
"بَرَاءَةٌ" فَخَشِيتُ
أَنْ أَكُونَ قَدْ نَافَقْتُ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اَللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اَللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: تُحَدِّثُ
بِذَلِكَ نَفْسَك قَالَ: لَا، قَالَ: أَنْتَ مُؤْمِنٌ.
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبِي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي
يَحْيَى مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ عَنْ جَدِّهِ يَحْيَى قَالَ:
حَدَّثَنِيهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ عَنْ اَلْقَاسِمِ بْنِ أَبِي عَبْد
الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ اَلْقَاسِمِ بْنِ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ أَنَّ
رَجُلًا أَتَى اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ
اَلْحَدِيثَ.
بَابٌ: مِنْ اَلْأَحَادِيثِ اَلَّتِي فِيهَا ذِكْرُ
اَلْبَرَاءَةِ
قَالَ مُحَمَّدٌ:
[171] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ،
عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
آدَمَ عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ شَهَرَ
عَلَيْنَا اَلسِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنِّي.
[172] اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ
قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي
لَبِيدٍ، عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ سُمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ اِنْتَهَبَ نُهْبَةً فَلَيْسَ مِنَّا.
[173] اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ
بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا.
[174] اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ
اَلْوَلِيدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ اِبْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ
بِالْأَمَانَةِ، وَمَنْ خَبَّبَ عَلَى اِمْرِئٍ زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَهُ
فَلَيْسَ هُوَ مِنَّا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مِنْ اَلْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ:
مَعْنَى هَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ لَيْسَ مِثْلَنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهَا
أَنَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذِهِ اَلْأَفْعَالَ فَلَيْسَ مِنْ اَلْمُطِيعِينَ لَنَا
وَلَيْسَ مِنْ اَلْمُقْتَدِينَ بِنَا وَلَا مِنْ اَلْمُحَافِظِينَ عَلَى
شَرَائِعِنَا. هَذِهِ اَلنُّعُوتُ وَمَا
أَشْبَهَهَا، إِمَّا أَنْ يَكُونَ اَلْمَرَادُ بِهَا اَلتَّبَرُّؤ مِمَّنْ
فَعَلَهَا، وَأَمَّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ فَيَكُونَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ
اَلْمِلَّةِ فَلَا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالدَّلِيلُ
عَلَى صِحَّةِ هَذَا اَلتَّأْوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَارِبَهُ.
[175] وَحَدَّثَنِي بِهِ إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
خَالِدٍ، عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ حَبِيبِ
بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ، فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ
يَتَأَوَّلَ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اَلتَّبَرُّؤ مِمَّنْ لَمْ يَأْخُذْ شَارِبَهُ.
بَابٌ: مِنْ اَلْأَحَادِيثِ اَلَّتِي شُبِّهَ فِيهَا
اَلذَّنْبُ بِأَجْزَاءَ أَكْبَرَ مِنْهُ أَوْ قُرِنَ بِهِ
[176] قَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ
أَحْمَدَ، عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
اِبْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ َ
شُرَحْبِيلَ عَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَتَى اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ اَلْكَبَائِرِ فَقَالَ: أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ
نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ،
وَأَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ، ثُمَّ قَرَأَ {وَاَلَّذِينَ
لَا يَدْعُونَ مَعَ اَللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} اَلْآيَةَ.
[177] اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْعُصْفُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
حَبِيبِ بْنِ اَلنُّعْمَانِ، عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قَامَ فَقَالَ:
عُدِلَتْ شَهَادَةُ اَلزُّورِ بِالْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ
تَلَا: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ.
[178] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ اِبْنِ فَحْلُون عَنْ
اَلْعِنَاقِيّ عَنْ عَبْد الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنِي
الْمَاجِشُونُ عَنْ اَلْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ مَاتَ مُدْمِنًا خَمْرًا
مَاتَ كَعَابِدِ وَثَنٍ.
وَمَعْنَى اَلْإِدْمَانِ عِنْدَ أَهْلِ اَلْعِلْمِ
أَنْ يَكُونَ شَارِبُهَا يَعْتَقِدُ اَلتَّمَادِيَ فِيهَا وَلَوْ لَمْ يَشْرَبْهَا
فِي اَلسَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً إِذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ اَلْعَوْدَةَ إِلَيْهَا
فَهُوَ مُدْمِنٌ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا اَلنَّوْعِ
مِنْ اَلْأَحَادِيثِ اَلَّتِي شُبِّهَ اَلذَّنْبُ بِأَجْزَاءَ أَعْظَمَ مِنْهُ أَوْ
قُرِنَ بِهِ فَالْمَعْنَى فِيهَا: أَنَّ مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ تِلْكَ
اَلذُّنُوبِ فَقَدْ لَحِقَ بِمَنْ شُبِّهَ بِهِ فِي لُزُومِ اِسْمِ اَلْمَعْصِيَةِ
بِهِ إِلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اَلْإِثْمِ عَلَى قَدْرِ ذَنْبِهِ.
وَبِتَحْرِيفِ أَهْلِ اَلزَّيْغِ وَالْأَهْوَاءِ
اَلْمُضِلَّةِ اَلْمَعَانِيَ لِهَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ اَلَّتِي سَطَّرْتُهَا لَكَ
فِي هَذَا اَلْبَاب وَالْأَبْوَابِ اَلْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ، وَتَفْسِيرِهِمْ
لَهَا بِآرَائِهِمْ نَفَوْا أَهْلَ اَلذُّنُوبِ مِنْ اَلْمُؤْمِنِينَ عَنْ
اَلْإِيمَانِ وَكَفَّرُوهُمْ وَحَجَبُوهُمْ اَلِاسْتِغْفَارَ، وَلَمْ يُوَالُوهُمْ.
وَنَحْنُ نَسْأَلُ اَللَّهَ اَلْمُعَافَاةَ مِمَّا
اِبْتَلَاهُمْ بِهِ، وَنَسْأَلُهُ اَلثَّبَاتَ عَلَى طَاعَتِهِ وَالتَّوْفِيقَ
لِمَرْضَاتِهِ.
بَابٌ: فِي اَلْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ
أَنَّ اَلْوَعْدَ فَضْلُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَنِعْمَتُهُ، وَالْوَعِيدَ
عَدْلُهُ وَعُقُوبَتُهُ وَأَنَّهُ جَعَلَ اَلْجَنَّةَ دَارَ اَلْمُطِيعِينَ بِلَا
اِسْتِثْنَاءٍ، وَجَهَنَّمَ دَارَ اَلْكَافِرِينَ بِلَا اِسْتِثْنَاءٍ، وَأَرْجَى لِمَشِيئَتِهِ
مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ اَلْعَاصِينَ مَنْ شَاءَ وَاَللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ
لِحُكْمِهِ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ فِعْلِهِ، وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ فِيمَا
وَعَدَ بِهِ اَلْمُؤْمِنِينَ اَلْمُطِيعِينَ وَمَنْ يُطِعِ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَذَلِكَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ
وَقَالَ فِي اَلْعُصَاةِ وَالْكَافِرِينَ: {وَمَنْ يَعْصِ
اَللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا
وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} وَقَالَ: {إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ
نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا
غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا اَلْعَذَابَ إِنَّ اَللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا}
{وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا اَلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ
وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً} وَقَالَ: {وَمَنْ يَتَّخِذِ اَلشَّيْطَانَ
وَلِيًّا مِنْ دُونِ اَللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِيناً يَعِدُهُمْ
وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ اَلشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا أُولَئِكَ
مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصَاً وَاَلَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا اَلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
اَلْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اَللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ
مِنَ اَللَّهِ قِيلًا} وَقَالَ فِي اَلْمُرَجِّيِينَ لِمَشِيئَتِهِ مِنْ
اَلْمُؤْمِنِينَ: {إِنَّ اَللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وَقَالَ: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ
يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ}.
فَوَعْدُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ
اَلْمُطِيعِينَ صِدْقٌ، وَوَعِيدُهُ لِلْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ حَقٌّ، وَمَنْ
مَاتَ مِنْ اَلْمُؤْمِنِينَ مُصِرًّا عَلَى ذَنْبِهِ فَهُوَ فِي مَشِيئَتِهِ
وَخِيَارِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَسَوَّرَ عَلَى اَللَّهِ فِي عِلْمٍ
غَيَّبَهُ وَبِجُحُودِ قَضَائِهِ فَيَقُولُ أَبَى رَبُّكَ أَنْ يَغْفِرَ
لِلْمُصِرِّينَ، كَمَا أَبَى أَنْ يُعَذِّبَ اَلتَّائِبِينَ، مَا يَكُونُ لَنَا
أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
[179] وَقَدْ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
خَالِدٍ، عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي
اِبْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ اَلزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ عُبَادَةَ
قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا
وَلَا تَزْنُوا، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اَللَّهِ، وَمَنْ
أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ أَصَابَ
مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اَللَّهُ فَذَلِكَ إِلَى اَللَّهِ إِنْ شَاءَ
عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ.
[180] اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَخْبَرَهُ عَنْ اِبْنِ مُحَيْرِيزٍ اَلْقُرَشِيِّ
أَخْبَرَهُ عَنْ اَلْمُخْدَجِيِّ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ أَنَّهُ قَالَ:
سَمِعْتُ عُبَادَةَ بْنَ اَلصَّامِتِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اَللَّهُ
عَلَى اَلْعِبَادِ، مَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا جَاءَ
وَلَهُ عِنْدَ اَللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ اَلْجَنَّةَ، وَمَنْ اِنْتَقَصَ
مِنْ حَقِّهِنَّ شَيْئًا جَاءَ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اَللَّهِ عَهْدٌ، وَإِنْ شَاءَ
أَدْخَلَهُ اَلْجَنَّةَ.
[181] وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ قَدْ آنَ
لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اَللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ
اَلْقَاذُورَةِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اَللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ
لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اَللَّهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْحَدِيثُ بِمِثْلِ هَذَا
أَكْبَرُ فَاعْتُبِرَ قَوْلُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَنْ أَصَابَ هَذِهِ اَلْقَاذُورَةَ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اَللَّهِ مَا
هُوَ إِلَّا لِمَا يَرْجُو لَهُ مِنْ سَعَةِ رَحْمَةِ اَللَّهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ
لَكَانَ اَلْأَوْلَى بِهِ إِذْ هُوَ اَلنَّاصِحُ اَلْأَمِينُ أَنْ يُشِيرَ
بِالِاعْتِرَافِ فَيَقَعُ لِحُدُودٍ فَيَكُونُ تَطْهِيرُهُ إِلَى مَا عَمِلَهُ
صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا حَضَّ اَللَّهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ
مِنْ اَلْعَفْوِ وَالصَّفْحِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَوْلَى بِمَكَارِمِ اَلْأَخْلَاقِ
مِنْ عِبَادِهِ.
[182] وَقَدْ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ
عَوْنِ اَللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ
بْنِ اَلْوَرْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرَ
قَالَ:حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْد اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْأَصْمَعِيُّ
قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَمْرِو بْنِ اَلْعَلَاءِ فَجَاءَهُ عَمْرُو بْنُ
عُبَيْدٍ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو هَلْ يُخْلِفُ اَللَّهُ اَلْمِيعَادَ؟
قَالَ: لَا، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا وَعَدَ عَلَى
عَمَلٍ ثَوَابًا يُنْجِزُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ،
قَالَ: فَكَذَلِكَ إِذَا وَعَدَ عَلَى عَمَلٍ عِقَابًا، قَالَ: فَقَالَ
أَبُو عَمْرٍو رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اَلْوَعْدَ غَيْرُ اَلْوَعِيدِ إِنَّ
اَلْعَرَبَ لَا تَعُدُّ خُلْفًا أَنْ تُوعِدَ شَرًّا فَلَا تَفِي بِهِ، وَإِنَّمَا
اَلْخُلْفُ أَنْ تَعِدَ خَيْرًا فَلَا تَفِي بِهِ، ثُمَّ أَنْشَدَ:
وَلَا يَرْهَبُ اِبْنُ اَلْعَمِّ وَالْجَارُ
صَوْلَتِي ** وَلَا أَنْثَنِي مِنْ خَشْيَةِ اَلْمُتَهَدِّدِ
وَإِنِّي إِذَا أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ **
لَمُخْلِفٌ إِيعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِي
[183] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي
دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ قَالَ
لَمَّا أَنْزَلَ اَللَّهُ اَلْمُوجِبَاتِ اَلَّتِي أَوْجَبَ عَلَيْهَا اَلنَّارَ
لِمَنْ عَمِلَ بِهَا، مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ كُنَّا
نَبُتّ عَلَيْهِ اَلشَّهَادَةَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ: إِنَّ
اَللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
يَشَاءُفَكَفَفْنَا عَنْ اَلشَّهَادَةِ وَخِفْنَا عَلَيْهِمْ.
يَحْيَى : وَبَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ رَحِمَهُ اَللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اَلْفَقِيهَ كُلَّ اَلْفَقِيهِ مَنْ
لَمْ يُؤَيِّسْ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اَللَّهِ، وَلَمْ يَدْحَضْهُمْ فِي
مَعَاصِي اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
بَابٌ: فِي مَحَبَّةِ أَصْحَابِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اَللَّهُ: وَمِنْ قَوْلِ
أَهْلِ اَلسُّنَّةِ أَنْ يَعْتَقِدَ اَلْمَرْءُ اَلْمَحَبَّةَ لِأَصْحَابِ
اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَنْشُرَ مَحَاسِنَهُمْ وَفَضَائِلَهُمْ،
وَيُمْسِكَ عَنْ اَلْخَوْضِ فِيمَا دَارَ بَيْنَهُمْ.
وَقَدْ أَثْنَى اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ
مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ ثَنَاءً أَوْجَبَ اَلتَّشْرِيفَ إِلَيْهِمْ
بِمَحَبَّتِهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ فَقَالَ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اَللَّهِ
وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى اَلْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} إِلَى
قَوْلِهِ: {وَعَدَ اَللَّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا اَلصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.
وَقَالَ: {لِلْفُقَرَاءِ اَلْمُهَاجِرِينَ اَلَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اَللَّهِ
وَرِضْوَانًا} إِلَى قَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ
هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ}.
[184] وَقَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي مِنْهُمْ ثُمَّ اَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ
اَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ
الصُّمَادِحِيِّ عَنْ اِبْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ
جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ.
[185] وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اَللَّهِ بْنِ
اَلْوَرْدِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَسَنٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَمْرٍو اَلْقُرَشِيِّ،
عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
اَلْحُدَيْبِيَةِ خَطَبَ اَلنَّاسَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنِّي رَاضٍ
عَنْهُ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَالْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ فَاعْرِفُوا ذَلِكَ لَهُمْ يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَللَّهَ
قَدْ غَفَرَ لِأَهْلِ بَدْرٍ وَاَلْحُدَيْبِيَةَ أَيُّهَا اَلنَّاسُ لَا
تُسِيؤُنِي فِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي أَيُّهَا اَلنَّاسُ لَا يَطْلُبَنَّكُمْ
اَللَّهُ بِمَظْلَمَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَإِنَّهَا مِمَّا لَا تُوهَبُ.
[186] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي
دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي اَلنَّضْرُ بْنُ سْعِيدٍ عَنْ أَبِي
قِلَابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا ذُكِرَ اَلْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا
ذُكِرَتْ اَلنُّجُومُ فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا.
قَالَ اَلنَّضْرُ: وَسَمِعْتُ
أَبَا قِلَابَةَ يَقُولُ لِأَيُّوبَ: يَا أَيُّوبَ اِحْفَظْ مِنِّي ثَلَاثًا: لَا
تُقَاعِدْ أَهْلَ اَلْأَهْوَاءِ، وَلَا تَسْمَعْ مِنْهُمْ، وَلَا تُفَسِّرْ
اَلْقُرْآنَ بِرَأْيِكَ، فَإِنَّكَ لَسْتَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ، وَانْظُرْ
هَؤُلَاءِ اَلرَّهْطَ مِنْ أَصْحَابِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَا تَذْكُرُهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ.
[187] يَحْيَى قَالَ: وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ
عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: ثَلَاثَةٌ اُرْفُضُوهُنَّ مُجَادَلَةُ
أَصْحَابِ اَلْأَهْوَاءِ، وَشَتْمُ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّظَرُ فِي اَلنُّجُومِ.
[188] يَحْيَى قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ
عَيَّاشٍ عَنْ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
اَلْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
دَعُوا لِي أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ
كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ أُحُدٍ لَمْ يَبْلُغْ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ.
[189] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ
عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا اِبْنُ مَلُولٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى
قَالَ:حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
مُقَاتِلٍ قَالَ: قَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ: مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ
فَقَدْ أَقَامَ اَلدِّينَ، وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَوْضَحَ اَلسَّبِيلَ،
وَمَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ اِسْتَنَارَ بِنُورِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ
أَحَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ أَخَذَ بِالْعُرْوَةِ اَلْوُثْقَى، وَمَنْ أَحْسَنَ اَلثَّنَاءَ
عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ
بَرِئَ مِنْ اَلنِّفَاقِ وَمَنْ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْهُمْ أَوْ يُبْغِضُهُ
لِشَيْءٍ كَانَ مِنْهُ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَالسَّلَفِ
اَلصَّالِحِ، وَالْخَوْفُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُرْفَعَ لَهُ عَمَلٌ إِلَى
اَلسَّمَاءِ حَتَّى يُحِبَّهُمْ جَمِيعًا وَيَكُونَ قَلْبُهُ لَهُمْ سَلِيمًا.
[190] وَهْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا
اِبْنُ وَضَّاحٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْأَيْلِيِّ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ رَحِمَهُ اَللَّهُ: لَيْسَ لِمَنْ اِنْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اَلْفَيْءِ حَقٌّ.
بَابٌ: فِي تَقَدُّمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ
قَالَ مُحَمَّدٌ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ: وَمِنْ
قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ أَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّنَا
صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَأَفْضَلَ اَلنَّاسِ بَعْدَهُمَا
عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ.
[191] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اَلْعِنَاقِيّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو اَلْبِشْرِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ اَلْجَارُودِ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
اَلْمُسَيِّبِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد اللَّه: قَالَ: رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اَللَّهَ اِخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى جَمِيعِ
اَلْعَالَمِينَ سِوَى اَلنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَاخْتَارَ لِي مِنْ أَصْحَابِي
أَرْبَعَةً أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا فَجَعَلَهُمْ خَيْرَ
أَصْحَابِي وَفِي أَصْحَابِي كُلُّهُمْ خَيْرٌ، وَاخْتَارَ أُمَّتِي عَلَى سَائِرِ
اَلْأُمَمِ.
[192] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَاذَانُ عَنْ عَبْد الْعَزِيزِ بْنِ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ:
كُنَّا نُفَاضِلُ وَرَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابُهُ مُتَوَافِرُونَ فَنَقُولُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبُوبَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ ثُمَّ نَسَكْتُ.
[193] وَهْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْعِنَاقِيّ قَالَ:
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِدْرِيسَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا
اَلْفَضْلُ بْنُ مُخْتَارٍ عَنْ اَلرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ اَلْحَسَنِ قَالَ:
أَدْرَكْتُ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُمْ يُفَضِّلُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ.
[194] اَلْعِنَاقِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ اَلْجُهَنِيُّ قَالَ: قُلْتُ
لِشَرِيكٍ مَا تَقُولُ فِيمَنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟
فَقَالَ: أَزْرَى عَلَى اِثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ
صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ثُمَّ ذَهَبْتُ مِنْ فَوْرِي إِلَى
سُفْيَانَ اَلثَّوْرِيِّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَزْرَى عَلَى
اِثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَخْوَفُنِي مَعَ هَذَا أَنْ لَا يَصْعَدَ لَهُ إِلَى
اَلسَّمَاءِ تَطَوُّعٌ.
[195] وَهْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد
الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحَارِثُ اِبْنِ أَبِي أُسَامَةَ
قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ
اَلْخَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ
اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ نَقُولُ:
أَفْضَلُ اَلْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو
بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ نَسَكْتُ.
[196] وَهْبٌ قَالَ: وَحَدَّثَنِي
اِبْنُ وَضَّاحٍ قَالَ: سَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ فَقُلْتُ لَهُ: أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ أَفْضَلُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ،
وَلَيْسَ يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَنْ لَا يُعْبَأُ بِهِ، وَإِذَا أَرَدْتَ
فَضْلَهُمَا فَانْظُرْ إِلَيْهِمَا مِمَّا جَعَلَهُمَا اَللَّهُ مَعَ نَبِيِّهِ
فِي قَبْرٍ.
قَالَ يُوسُفُ وَإِنَّمَا وَقَعَ اَلِاخْتِلَافُ فِي
اَلتَّفْضِيلِ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَأَنَا أَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، هَذَا رَأْيِي وَرَأْيُ مَنْ لَقِينَا مِنْ
أَهْلِ اَلسُّنَّةِ، وَلَا يَسَعُ اَلْقَوْلُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ.
[197] وَهْبٌ قَالَ: وَحَدَّثَنِي اِبْنُ وَضَّاحٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ نُعَيْمٍ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ اَلْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: نَأْخُذُ بِاجْتِمَاعِ أَصْحَابِ
اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَدَعُ مَا سِوَاهُ، وَقَدْ اِجْتَمَعُوا
عَلَى أَنَّ عُثْمَانَ خَيْرُهُمْ، فَعُثْمَانُ خَيْرُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ بَعْدَ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَبَعْدَهُمْ عَلِيٌّ، ثُمَّ خَيْرُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ
بَعْدَ هَؤُلَاءِ اَلْأَرْبَعَةِ أَصْحَابُ اَلشُّورَى، ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ،
ثُمَّ اَلْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ مِنْ سَائِرِ أَصْحَابِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَاعْرِفْ) هُمْ حَقَّ سَابِقِهِمْ.
[198] وَهْبٌ قَالَ: وَحَدَّثَنَا
اِبْنُ وَضَّاحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا اِبْنُ مَهْدِيٍّ
قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْد الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ
اَلنَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَبْد اللهِ مِنْ اَلْمَدِينَةِ
بَعْدَ قَتْلِ عُمَرَ قَالَ: أَمَّرْنَا خَيْرَ مَنْ بَقِيَ، وَلَمْ نَأْلُ
يَعْنِي عُثْمَانَ.
قَالَ وَهْبٌ: وَقَالَ لِي اِبْنُ وَضَّاحٍ وَهَذَا
رَأْيِي.
بَابٌ: فِي وُجُوبِ اَلسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ
أَنَّ اَلسُّلْطَانَ ظِلُّ اَللَّهِ فِي اَلْأَرْضِ، وَأَنَّهُ مَنْ لَمْ يَرَ
عَلَى نَفْسِهِ سُلْطَانًا بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا فَهُوَ عَلَى خِلَافِ
اَلسُّنَّةِ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَطِيعُوا اَللَّهَ وَأَطِيعُوا اَلرَّسُولَ
وَأُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ} وَفَسَّرَ أَهْلُ اَلْعِلْمِ هَذِهِ اَلْآيَةَ
بِتَفَاسِيرَ تَئُولُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ إِذَا تَعَقَّبَهَا مُتَعَقِّبٌ،
كَانَ اَلْحَسَنُ يَقُولُ: هُمْ اَلْعُلَمَاءُ، وَكَانَ اِبْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ:
هُمْ أُمَرَاءُ اَلسَّرَايَا كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا، وَأَمَرَهُمْ أَنْ
لَا يُخَالِفُوهُ وَأَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا وَكَانَ زَيْدُ بْنُ
أَسْلَمَ يَقُولُ: هُمْ اَلْوُلَاةُ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ بَدَأَ بِهِمْ فَقَالَ:
{إِنَّ اَللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا اَلْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}
يَعْنِي: اَلْفَيْءَ وَالصَّدَقَاتِ
اَلَّتِي اِسْتَأْمَنَهُمْ عَلَى جَمْعِهَا وَقَسْمِهَا {وَإِذَا حَكَمْتُمْ
بَيْنَ اَلنَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} قَالَ: فَأَمَرَ اَلْوُلَاةَ ثُمَّ
أَقْبَلَ عَلَيْنَا نَحْنُ فَقَالَ: {أَطِيعُوا اَللَّهَ وَأَطِيعُوا اَلرَّسُولَ
وَأُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ} إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيكُمْ مَالٌ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ
فَقَالَ: {كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ اَلْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} عَاقِبَةً.
قَالَ مُحَمَّدٌ: فَالسَّمْعُ
وَالطَّاعَةُ لِوُلَاةِ اَلْأَمْرِ أَمْرٌ وَاجِبٌ وَمَهْمَا قَصَّرُوا فِي
ذَاتِهِمْ فَلَمْ يَبْلُغُوا اَلْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ
إِلَى اَلْحَقِّ، وَيُؤْمَرُونَ بِهِ، وَيَدُلُّونَ عَلَيْهِ، فَعَلَيْهِمْ مَا
حُمِّلُوا وَعَلَى رَعَايَاهُمْ مَا حُمِّلُوا مِنْ اَلسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ
لَهُمْ.
[199] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ،
عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ
مُعَاذٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا
يَزَالُ هَذَا اَلْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ اَلنَّاسِ اِثْنَانِ.
[200] اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْفَضْلُ
بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُبَشِّرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَتَّابٍ
قَالَ: قَامَ مُعَاوِيَةُ عَلَى
اَلْمِنْبَرِ فَقَالَ: قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اَلنَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ خِيَارُكُمْ فِي
اَلْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي اَلْإِسْلَامِ.
[201] ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: وَحَدَّثَنَا شَبَابَهُ
بْنُ مَسْعُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ
وَائِلٍ اَلْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلَ يَزِيدُ بْنُ سَلَمَةَ
الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اَللَّهِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ
وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَاذَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ
فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَذَبَهُ اَلْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فِي اَلثَّالِثَةِ أَوْ
فِي اَلثَّانِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اِسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، إِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا
حُمِّلْتُمْ.
[202] اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ
عَنْ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا
سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قُلْنَا: فَمَا تَأْمُرُ
مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ اَلْحَقَّ اَلَّذِي عَلَيْكُمْ
وَتَسْأَلُونَ اَللَّهَ اَلَّذِي لَكُمْ.
[203] اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ اَلْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ اِبْنَ عَبَّاسٍ
يَرْوِيهِ عَنْ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ رَأَى
مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ
يُفَارِقُ اَلْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ إِلَّا مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.
[204] وَحَدَّثَنِي وَهْبٍ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ
الصُّمَادِحِيِّ عَنْ اِبْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ
أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ حَدَّثَهُ أَنَّ اَلْحَارِثَ اَلْأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ
رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَأَنَا آمُرُكُمْ
بِخَمْسٍ أَمَرَنِي اَللَّهُ بِهِنَّ; اَلْجَمَاعَةِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ،
وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ فَمَنْ فَارَقَ اَلْجَمَاعَةَ
قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ اَلْإِسْلَامَ مِنْ رَأْسِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ
وَمَنْ اِدَّعَى دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ. فَقَالَ
رَجُلٌ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى؟ قَالَ: وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى، تَدَاعَوْا
بِدَعْوَى اَللَّهِ اَلَّذِي سَمَّاكُمْ اَلْمُسْلِمِينَ اَلْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اَللَّهِ.
[205] اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ
يُونُسَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْد الْأَعْلَى عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ
قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ بِيَدِي فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ إِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّنَا
لَا نَلْتَقِي بَعْدَ يَوْمِنَا هَذَا، اِتَّقِ اَللَّهَ رَبَّك إِلَى يَوْمٍ
تَلْقَاهُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ وَأَطِعْ اَلْإِمَامَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا
حَبَشِيًّا مُجَدَّعًا، إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ أَهَانَك فَاصْبِرْ،
وَإِنْ أَمَرَكَ بِأَمْرٍ يُنْقِصُ دِينَكَ فَقُلْ طَاعَةُ دَمِي دُونَ دِينِي،
وَلَا تُفَارِقْ اَلْجَمَاعَةَ.
[206] اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ اَلْمُنْكَدِرِ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ
ذَكَرَ ذَلِكَ اِبْنُ عُمَرَ فَقَالَ: إِنْ كَانَ خَيْرًا رَضِينَا وَإِنْ كَانَ
شَرًّا صَبَرْنَا.
بَابٌ: فِي اَلصَّلَاةِ خَلْفَ اَلْوُلَاةِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ
أَنَّ صَلَاةَ اَلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَرَفَةَ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرٍّ
أَوْ فَاجِرٍ، مِنْ اَلسُّنَّةِ وَالْحَقِّ وَأَنَّ مَنْ صَلَّى مَعَهُمْ ثُمَّ
أَعَادَهَا فَقَدْ خَرَجَ مِنْ جَمَاعَةِ مَنْ مَضَى مِنْ صَالِحِ سَلَفِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ،
وَذَلِكَ أَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {نُودِيَ
لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اَللَّهِ وَذَرُوا
اَلْبَيْعَ} وَقَدْ عَلِمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ حِينَ اِفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ
اَلسَّعْيَ إِلَيْهَا وَإِجَابَةَ اَلنِّدَاءِ لَهَا أَنَّهُ يُصَلِّيهَا بِهِمْ
مِنْ مُجْرِمِي اَلْوُلَاةِ وَفُسَّاقِهَا مَنْ لَمْ يَجْهَلْهُ فَلَمْ يَكُنْ
لِيَفْتَرِضَ عَلَى عِبَادِهِ اَلسَّعْيَ إِلَى مَا لَا يَجْزِيهِمْ شُهُودُهُ
وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ إِعَادَتُهُ، وَقُضَاتِهِمْ وَحُكَّامِهِمْ وَمَنْ
اِسْتَخْلَفُوهُ عَلَى اَلصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ وَرَاءَهُمْ جَائِزَةٌ.
[207] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ فَحْلُونَ عَنْ
يُوسُفَ بْنِ يَحْيَى اَلْعِنَاقِيِّ عَنْ عَبْد الْمَلِكِ رَحِمَهُ اَللَّهُ
أَنَّهُ قَالَ: فِي تَفْسِيرِ مَا جَاءَتْ بِهِ
اَلْآثَارُ وَأَنَّ اَلصَّلَاةَ جَائِزَةٌ وَرَاءَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ إِنَّمَا
يُرَادُ بِذَلِكَ اَلْإِمَامُ اَلَّذِي تُؤَدَّى إِلَيْهِ اَلطَّاعَةُ; لِأَنَّهُ
لَوْ لَمْ تَكُنْ اَلصَّلَاةُ وَرَاءَهُ جَائِزَةً وَرَاءَهُ مَنْ اِسْتَخْلَفَ
عَلَيْهَا وَخُلَفَاؤُهُمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ سَفْكِ اَلدِّمَاءِ
وَاسْتِبَاحَةِ اَلْحَرِيمِ وَتَفَتُّحِ اَلْفِتَنِ.
فَالصَّلَاةُ وَرَاءَهُمْ جَائِزَةٌ اَلْجُمُعَةُ
وَغَيْرُهَا مَا صَلَّوْا اَلصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَمَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ
بِبَعْضِ اَلْأَهْوَاءِ اَلْمُخَالِفَةِ لِلْجَمَاعَةِ مِثْلَ الْإِبَاضِيَّةِ
وَالْقَدَرِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ أَيْضًا، قَالَ عَبْد
الْمَلِكِ رَحِمَهُ اَللَّهُ وَهُوَ اَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ اَلسُّنَّةِ.
[208] وَقَدْ حَدَّثَنِي أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ إِمَامٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْنِي اَلْوُلَاةَ.
[209] أَسَدٌ قَالَ حَدَّثَنِي اَلرَّبِيعُ بْنُ زَيْدٍ
عَنْ سَوَّارَ بْنِ شَبِيبٍ قَالَ: حَجَّ نَجْدَةُ الْحَرُورِيُّ فِي أَصْحَابِهِ
فَوَادَعَ اِبْنَ اَلزُّبَيْرِ فَصَلَّى هَذَا بِالنَّاسِ يَوْمًا وَلَيْلَةٍ، وَهَذَا
بِالنَّاسِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَصَلَّى اِبْنُ عُمَرَ خَلْفَهُمَا فَاعْتَرَضَهُ
رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ أَتُصَلِّي خَلْفَ نَجْدَةَ
الْحَرُورِيِّ؟ فَقَالَ اِبْنُ عُمَرَ: إِذَا نَادَوْا حَيَّ عَلَى خَيْرِ
اَلْعَمَلِ أَجَبْنَا، وَإِذَا نَادَوْا حَيَّ عَلَى قَتْلِ نَفْسٍ قُلْنَا: لَا،
وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ.
[210] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ الصُّمَادِحِيِّ عَنْ
اِبْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ اَلْأَعْمَشِ قَالَ: كَانَ كِبَارُ
أَصْحَابِ عَبْد اللهِ يُصَلُّونَ اَلْجُمُعَةَ مَعَ اَلْمُخْتَارِ
وَيَحْتَسِبُونَ بِهَا.
[211] اِبْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ اَلْحَكَمِ بْنِ عَطِيَّةَ
قَالَ: سَأَلْتُ اَلْحَسَنَ فَقُلْتُ رَجُلٌ مِنْ اَلْخَوَارِجِ يَؤُمُّنَا
أَنُصَلِّي خَلْفَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ أَمَّ اَلنَّاسَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ.
[212] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ قَالَ:
سَأَلْتُ حَارِثَ بْنَ مِسْكِينٍ هَلْ نَدَعُ اَلصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ
اَلْبِدَعِ؟ فَقَالَ: أَمَّا اَلْجُمُعَةُ خَاصَّةً
فَلَا، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ اَلصَّلَاةِ فَنَعَمْ. قَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ
وَسَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ قَالَ: اَلْجُمُعَةُ
خَاصَّةً، قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ اَلْإِمَامُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ؟ قَالَ نَعَمْ،
وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ; لِأَنَّ اَلْجُمُعَةَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَيْسَ
تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ.
بَابُ: دَفْعِ اَلزَّكَاةِ إِلَى اَلْوُلَاةِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ
أَنَّ دَفْعَ اَلصَّدَقَاتِ إِلَى اَلْوُلَاةِ جَائِزٌ، وَأَنَّ اَللَّهَ قَدْ
جَعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: {أَنْ تُؤَدُّوا اَلْأَمَانَاتِ إِلَى
أَهْلِهَا} وَفِي قَوْلِهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}.
[213] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ
اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيم بْنُ سُلَيْمَانَ
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ
مَالِكٍ اَلْقُرَشِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ اَلْأَعْرَابُ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ
صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّ
اَلْمُصَدِّقِينَ يَظْلِمُونَنَا. فَقَالَ: أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ وَإِنْ
ظَلَمُوا. قَالَ جَابِرٌ فَمَا مَنَعْتُ مُصَدِّقًا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا.
[214] وَهْبٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ اَللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبَا
سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيَّ عَنْ اَلزَّكَاةِ أَيُنْفِذُهَا عَلَى مَا أَمَرَ اَللَّهُ
أَوْ يَدْفَعُهَا إِلَى اَلْوُلَاةِ؟ قَالَ: بَلْ
يَدْفَعُهَا إِلَى اَلْوُلَاةِ.
[215] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ اِبْنِ فَحْلُونَ عَنْ
اَلْعِنَاقِيّ عَنْ عَبْد الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ اَلْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ اَلزَّكَاةُ مِنْ اَلْفَاجِرِ وَغَيْرِهِ تُدْفَعُ إِلَى
رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى مَنْ اِسْتَعْمَلَ،
وَإِلَى أَبِي بَكْرٍ وَإِلَى مَنْ اِسْتَعْمَلَ وَإِلَى عُمَرَ وَإِلَى مَنْ
اِسْتَعْمَلَهُ وَإِلَى عُثْمَانَ وَإِلَى مَنْ اِسْتَعْمَلَهُ فَلَمَّا كَانَ
مُعَاوِيَةُ وَمَنْ بَعْدَهُ اِخْتَلَفَ اَلنَّاسُ فَمِنْهُمْ مَنْ دَفَعَهَا وَمِنْهُمْ
مَنْ تَصَدَّقَ بِهَا.
[216] قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَحَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ اَلْإِمَامُ عَدْلًا لَمْ يَنْبَغِ لِلنَّاسِ
أَنْ يَتَوَلَّوْا تَفْرِقَةَ زَكَاتِهِمْ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ دَفْعُهَا إِلَى
اَلْإِمَامِ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَإِذَا كَانَ اَلْوُلَاةِ
يَعْدِلُونَ فِي اَلصَّدَقَاتِ، فَقَدْ كَانَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ
مِنْ أَهْلِ اَلْعِلْمِ يَأْمُرُونَ بِأَنَّ مَنْ تُسْتَحَقُّ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يُحَالَ
لِلسَّلَامَةِ مَنْ دَفَعَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَإِنْ خَافُوا مِنْهُمْ عُقُوبَةً
فَلْيَدْفَعُوهَا إِلَيْهِمْ، وَعَلَيْهِمْ اَلْإِثْمُ مَا عَمِلُوا فِيهَا وَهِيَ
تَجْزِيءُ عَمَّنْ أَخَذُوهَا مِنْهُ.
بَابٌ: فِي اَلْحَجِّ وَالْجِهَادِ مَعَ اَلْوُلَاةِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ
إِنَّ اَلْحَجَّ وَالْجِهَادَ مَعَ كُلِّ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ مِنْ اَلسُّنَّةِ
وَالْحَقِّ، وَقَدْ فَرَضَ اَللَّهُ اَلْحَجَّ فَقَالَ: {وَلِلَّهِ عَلَى
اَلنَّاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} وَأَعْلَمَنَا بِفَضْلِ
اَلْجِهَادِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَقَدْ عَلِمَ أَحْوَالَ
اَلْوُلَاةِ اَلَّذِينَ لَا يَقُومُ اَلْحَجُّ وَالْجِهَادُ إِلَّا بِهِمْ فَلَمْ
يَشْتَرِطْ وَلَمْ يُبَيِّنْ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيَّاً}.
[217] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ اِبْنِ خَالِدٍ عَنْ اِبْنِ
وَضَّاحٍ عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي نُشْبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ
حَدِيثًا فِيهِ: أَنَّ اَلْجِهَادَ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اَللَّهُ إِلَى أَنْ
يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي اَلدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا
عَدْلُ عَادِلٍ.
[218] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ اِبْنِ فُحْلُونَ عَنْ
اَلْعِنَاقِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ
أَهْلَ اَلْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَا بَأْسَ بِالْجِهَادِ مَعَ اَلْوُلَاةِ وَإِنْ
لَمْ يَضَعُوا اَلْخُمُسَ مَوْضِعَهُ، وَإِنْ لَمْ يُوفُوا بِعَهْدٍ إِنْ عَاهَدُوا،
وَلَوْ عَمِلُوا مَا عَمِلُوا، وَلَوْ جَازَ لِلنَّاسِ تَرْكُ اَلْغَزْوِ مَعَهُمْ
بِسُوءِ حَالِهِمْ لَاسْتُذِلَّ اَلْإِسْلَامُ، وَتُخُيِّفَتْ أَطْرَافُهُ
وَاسْتُبِيحَ حَرِيمُهُ وَلَعَلَا اَلشِّرْكُ وَأَهْلُهُ.
[219] وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَدْ حَدَّثَنَا أَسَدُ
بْنُ مُوسَى عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ اَلْوَلِيدِ عَنْ اَلزُّبَيْدِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: سَيَكُونُ بَعْدِي نَاسٌ يَشُكُّونَ فِي اَلْجِهَادِ،
لِلْمُجَاهِدِ يَوْمئِذٍ مِثْلُ مَا لِلْمُجَاهِدِ مَعِي اَلْيَوْمَ.
[220] أَسَدٌ عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: سُئِلَ إِبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيُّ عَنْ اَلْجِهَادِ مَعَ هَؤُلَاءِ اَلْوُلَاةِ؟ فَقَالَ: إِنْ هِيَ
إِلَّا نَزْعَةُ شَيْطَانٍ نَزَعَ بِهَا يُثَبِّطُكُمْ عَنْ جِهَادِكُمْ، فَقِيلَ
لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَدْعُونَ. فَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ اَلدَّيْلَمُ وَالرُّومُ
عَلَى مَا يُقَاتِلُونَ.
[221] قَالَ عَبْد الْمَلِكِ وَحَدَّثَنِي الطَّلْحِيُّ
عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ
اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَزَالُ اَلْجِهَادُ
حُلْوًا خَضِرًا مَا مَطَرَ اَلْقَطْرُ مِنْ اَلسَّمَاءِ وَسَيَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ
زَمَانٌ يَقُولُ فِيهِ قُرَّاءٌ مِنْهُمْ: لَيْسَ هَذَا بِزَمَانِ جِهَادٍ، فَمَنْ
أَدْرَكَ ذَلِكَ فَنِعْمَ زَمَانُ اَلْجِهَادِ. قَالُوا يَا
رَسُولَ اَللَّهِ: وَأَحَدٌ يَقُولُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "نَعَمْ، مَنْ عَلَيْهِ
لَعْنَةُ اَللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ
وَرَأْيُ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ لَا يَرَوْنَ اَلْغَزْوَ مَعَهُمْ بَأْسًا.
[222] وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ
زُهَيْرِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: كَانَ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ اَلْمَشَايِخِ مَالِكٍ
وَسُفْيَانَ وَالْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَابْنِ اَلْمُبَارَكِ وَوَكِيعٍ
وَغَيْرِهِمْ كَانُوا يَحُجُّونَ مَعَ كُلِّ خَلِيفَةٍ.
بَابُ: اَلنَّهْيِ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ اَلسُّنَّةِ
يَعِيبُونَ أَهْلَ اَلْأَهْوَاءِ اَلْمُضِلَّةِ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ
مُجَالَسَتِهِمْ وَيُخَوِّفُونَ فِتْنَتَهُمْ وَيُخْبِرُونَ بِخَلَاقِهِمْ، وَلَا
يَرَوْنَ ذَلِكَ غِيبَةً لَهُمْ وَلَا طَعْنًا عَلَيْهِمْ.
[223] وَقَدْ حَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ عَنْ
الصُّمَادِحِيِّ عَنْ اِبْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ اِبْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا
هَذِهِ اَلْآيَةَ {هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ اَلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا اَلَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} اَلْآيَةَ.
ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ اَلَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَاحْذَرُوهُمْ.
[224] وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي
دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ أَبِي غَالِبٍ قَالَ:
كُنْتُ مَعَ أَبِي أُمَامَةَ وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ حَتَّى اِنْتَهَيْنَا إِلَى
دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَإِذَا رُؤُوسٌ مِنْ رُؤُوسِ اَلْخَوَارِجِ مَنْصُوبَةٌ،
فَقَالَ: مَا هَذِهِ اَلرُّؤُوسُ؟ فَقَالُوا: رُؤُوسُ خَوَارِجَ جِيءَ بِهَا مِنْ
اَلْعِرَاقِ. فَقَالَ: "كِلَابُ أَهْلِ اَلنَّارِ كِلَابُ أَهْلِ اَلنَّارِ،
كِلَابُ أَهْلِ اَلنَّارِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ اَلسَّمَاءِ شَرُّ قَتْلَى
تَحْتَ ظِلِّ اَلسَّمَاءِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ اَلسَّمَاءِ طُوبَى لِمَنْ
قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ، طُوبَى
لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ، ثُمَّ بَكَى قُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: رَحْمَةً
لَهُمْ، إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ اَلْإِسْلَامِ فَخَرَجُوا مِنْ
اَلْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَرَأَ اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ مِنْهُ
آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ اَلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌإِلَى آخِرِ
اَلْآيَةِ، ثُمَّ قَرَأَ وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا
وَاخْتَلَفُواإِلَى قَوْلِهِ فَذُوقُوا اَلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ
تَكْفُرُونَفَقُلْتُ: هُمْ هَؤُلَاءِ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
فَقُلْتُ شَيْءٌ تَقُولُهُ بِرَأْيِكَ أَمْ سَمِعْتَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ؟ فَقَالَ: إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ إِنِّي
إِذًا لَجَرِيءٌ، إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّة وَلَا مَرَّتَيْنِ حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا،
وَوَضَعَ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِلَّا فَصُمَّتَا، ثُمَّ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى سَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي
اَلْجَنَّةِ وَسَايَرُهَا فِي اَلنَّارِ فَقُلْتُ: وَلَتَزِيدُ هَذِهِ اَلْأُمَّةُ
عَلَيْهِمْ وَاحِدَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي اَلْجَنَّةِ وَسَايَرُهَا فِي اَلنَّارِ،
فَقُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ اَلْأَعْظَمِ قَالَ:
فَقُلْتُ فِي اَلسَّوَادِ اَلْأَعْظَمِ مَا قَدْ تَرَى; قَالَ: اَلسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ
خَيْرٌ مِنْ اَلْفُرْقَةِ وَالْمَعْصِيَةِ.
[225] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ يُونُسَ
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زُرْعَةَ
اَلزُّبَيْدِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ اَلْأَمَلِ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ مُعَاذَ
بْنَ جَبَلٍ رَفَعَ اَلْحَدِيثَ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لُعِنَتْ اَلْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ عَلَى لِسَانِ
سَبْعِينَ نَبِيًّا آخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ.
[226] اِبْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي مَسْلَمَةُ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ اَلْمُثَنَّى عَنْ بَزَّارِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَمْرُقُونَ مِنْ اَلْإِسْلَامِ مُرُوقَ اَلسَّهْمِ مِنْ اَلرَّمِيَةِ.
[227] اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي
اِبْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ
يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ
عُمَرَ بْنِ اَلْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ اَلْقَدَرِ وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ
اَلْحَدِيثَ.
[228] اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَصْحَابُ اَلْقَدَرِ مَجُوسُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ.
[229] اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ
خَالِدٍ عَنْ أَبِي اَلزُّبَيْرِ اَلْمَكِّيِّ قَالَ: ذُكِرَ لعَبْد اللهِ بْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا يَتَكَلَّمُونَ فِي اَلْقَدَرِ، فَوُصِفَ لَهُ بَعْضُ مَا يَقُولُونَ،
فَقَالَ: أَهَلْ فِي اَلْبَيْتِ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَأَقُومُ إِلَيْهِ فَأَفْرُكُ
رَقَبَتَهُ؟
[230] اِبْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي اِبْنُ مَهْدِيٍّ أَنَّ
رَجُلًا سَأَلَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ عَنْ اَلْأَهْوَاءِ أَنَّهَا خَيْرٌ؟
فَقَالَ: جَعَلَ اَللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ،
وَمَا هِيَ إِلَّا زِينَةٌ مِنْ اَلشَّيْطَانِ وَمَا اَلْأَمْرُ إِلَّا اَلْأَمْرُ
اَلْأَوَّلُ.
[231] اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ عَبْد الْعَزِيزِ كَانَ يَكْتُبُ فِي كُتُبِهِ أَنِّي أُحَذِّرُكُمْ
مَا قَالَتْ إِلَيْهِ اَلْأَهْوَاءُ وَالزَّيْغُ اَلْبَعِيدُ.
قَالَ اِبْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُهُ،
وَسُئِلَ عَنْ خُصُومَةِ أَهْلِ اَلْقَدَرِ وَكَلَامِهِمْ؟ فَقَالَ: مَا كَانَ
مِنْهُمْ عَارِفًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يُوَاضَعُ اَلْقَوْلَ وَيُخْبَرُ
بِخَلَاقِهِمْ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَلَا أَرَى أَنْ يُنَاكَحُوا.
قَالَ اِبْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ
ذَلِكَ اَلرَّجُلُ إِذَا جَاءَهُ بَعْضُ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ قَالَ: أَمَّا أَنَا
فَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَأَمَّا أَنْتَ فَشَاكٌّ فَاذْهَبْ إِلَى مَنْ
هُوَ شَاكٌّ مِثْلُك فَخَاصِمْهُ.
[233] وَهْبٌ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ
شُرَيْحٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ إِسْحَاقَ اَلْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ لِجُلَسَائِهِ فِي أَصْحَابِ اَلْأَهْوَاءِ: إِذَا
رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ أَحَدًا قَدْ جَلَسَ إِلَيْنَا فَأَعْلِمُونِي بِأَمَارَةٍ
أَجْعَلُهَا بَيْنَهُمْ، فَإِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَأَعْلَمُوهُ
أَخَذَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ قَامَ.
[234] اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ
عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ يَزِيدَ اَلْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ
وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: قَرَأْتُ اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ كِتَابًا مَا
مِنْهَا كِتَابٌ إِلَّا وَحَذَّرَ فِيهِ: مَنْ أَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئًا
مِنْ قَدَرِ اَللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ اَلْعَظِيمِ.
[235] وَأَخْبَرَنِي اِبْنُ مَسَرَّةَ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ
عَنْ الصُّمَادِحِيِّ عَنْ اِبْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخَنَا يَقُولُ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ
قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: أَيْ بُنَيَّ لَا تُجَالِسْ مَفْتُونًا فَإِنَّهُ لَا
يُخْطِئُك مِنْهُ إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَسْتَزِلَّك، وَإِمَّا أَنْ
يُمْرِضَ قَلْبَكَ.
[236] اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ اَلسِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَكَانَ
مِنْ اَلْفُقَهَاءِ ذَوِي اَلْأَلْبَابِ: لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ اَلْأَهْوَاءِ وَلَا
تُجَادِلُوهُمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ أَوْ
يُلَبِّسُوا عَلَيْكُمْ كَمَا كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ.
[237] اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ
مُعَاذٍ عَنْ عَبْد الْمَلِكِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ
يَرَى أَنَّ هَذِهِ اَلْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ اَلْأَهْوَاءِ وَإِذَا
رَأَيْتَ اَلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.
[238] اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي اَلْجَوْزَاءِ قَالَ: لَئِنْ
يُجَاوِرُنِي فِي دَارِي هَذِهِ قِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ
يُجَاوِرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ، وَلَقَدْ دَخَلُوا فِي هَذِهِ
اَلْآيَةِ يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ
دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ
اَلْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ.
[239] اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: حُدِّثْت عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا
أَدْرِي أَيُّ اَلنِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ عَلَيَّ، أَنْ هَدَانِي إِلَى
اَلْإِسْلَامِ أَوْ أَنْ جَنَّبَنِي اَلْأَهْوَاءَ.
[240] اِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ
مِسْكِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ أَبِي اَلْعَالِيَةِ قَالَ: مَا
أَدْرِي أَيُّ اَلنِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ عَلَيَّ، نِعْمَةٌ أَنْعَمَهَا عَلَيَّ فَأَنْقَذَنِي
بِهَا مِنْ اَلشِّرْكِ، أَوْ نِعْمَةٌ أَنْعَمَهَا عَلَيَّ فَأَنْقَذَنِي بِهَا
مِنْ الْحَرُورِيَّةِ.
[241] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ لُبَابَةَ عَنْ اَلْعُتْبِيِّ عَنْ سَحْنُونَ عَنْ اِبْنِ اَلْقَاسِمِ قَالَ:
قَالَ مَالِكٌ: مَا آيَةُ فِي كِتَابِ اَللَّهِ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِ
اَلْأَهْوَاءِ مِنْ هَذِهِ اَلْآيَاتِ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ
فَأَمَّا اَلَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا
اَلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.
قَالَ مَالِكٌ: فَأَيُّ كَلَامٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا.
قَالَ اِبْنُ اَلْقَاسِمِ: قَالَ لِي مَالِكٌ: إِنَّ
هَذِهِ اَلْآيَةَ لِأَهْلِ اَلْقِبْلَةِ.
قَالَ سَحْنُونُ: وَكَانَ اِبْنُ غَانِمٍ يَقُولُ فِي
كَرَاهِيَةِ مُجَالَسَةِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ أَرَأَيْتَ أَنَّ أَحَدَكُمْ قَعَدَ
إِلَى سَارِقٍ وَفِي كُمِّهِ بِضَاعَةٌ أَمَا كَانَ يَحْتَرِزُ بِهَا مِنْهُ
خَوْفًا أَنْ يَنَالَهُ فِيهَا، فَدِينُكُمْ أَوْلَى بِأَنْ تُحْرِزُوهُ
وَتَحْفَظُوا بِهِ، قِيلَ وَإِنْ جَاءَ مَعَنَا فِي ثَغْرٍ أَخْرَجْنَاهُمْ
مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ سَحْنُونُ وَقَالَ أَشْهَبُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ اَلْقَدَرِيَّةِ
فَقَالَ: قَوْمُ سُوءٍ فَلَا تُجَالِسُوهُمْ، قِيلَ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ؟
فَقَالَ: نَعَمْ.
بَابٌ: فِي اِسْتِتَابَةِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ
وَاخْتِلَافِ أَهْلِ اَلْعِلْمِ فِي تَكْفِيرِهِمْ
قَالَ مُحَمَّدٌ: اِخْتَلَفَ أَهْلُ اَلْعِلْمِ فِي
تَكْفِيرِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمْ كُفَّارٌ
مُخَلَّدُونَ فِي اَلنَّارِ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَبْلُغُ بِهِمْ اَلْكُفْرُ
وَلَا يُخْرِجُهُمْ عَنْ اَلْإِسْلَامِ وَيَقُولُ: إِنَّهُمْ اَلَّذِينَ عَلَيْهِمْ
فَسُوقٌ وَمَعَاصٍ إِلَّا أَنَّهَا أَشَدُّ اَلْمَعَاصِي وَالْفُسُوقِ، وَهَذَا
مَذْهَبُ مَشَايِخِنَا بِالْأَنْدَلُسِ، وَاَلَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ فِيهِمْ
وَكَانُوا يَقُولُونَ لَا يُوَاضِعُ أَحَدٌ مِنْهُ اَلْكَلَامَ وَالِاحْتِجَاجَ
وَلَكِنْ يُعَرَّفُ بِرَأْيهِ رَأْيَ اَلسُّوءِ وَيُسْتَتَابُ مِنْهُ فَإِنْ تَابَ
وَإِلَّا قُتِلَ.
[242] وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ يُونُسَ
عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي اِبْنُ أَبِي اَلزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: خَرَجَتْ حَرُورِيَّةٌ بِالْعِرَاقِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِالْعِرَاقِ مَعَ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ اَلْخَطَّابِ، فَكَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
يَأْمُرُنَا أَنْ نَدْعُوَهُمْ إِلَى اَلْعَمَلِ بِكِتَابِ اَللَّهِ وَسُنَّةِ
نَبِيِّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَعْذَرَ فِي دُعَائِهِمْ
كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ قَاتِلَهُمْ فَإِنَّ اَللَّهَ وَلَهُ اَلْحَمْدُ لَمْ
يَجْعَلْ لَهُمْ سَلَفًا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَيْنَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ
الْحَمِيدِ جَيْشًا فَهَزَمَتْهُمْ الْحَرُورِيَّةُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ
عُمَرُ بَعَثَ إِلَيْهِمْ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي جَيْشٍ مِنْ
أَهْلِ اَلشَّامِ وَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي مَا
فَعَلَ جَيْشُكَ اَلسُّوءَ وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ
فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَلَقِيَهُمْ مَسْلَمَةُ فَأَظْفَرَهُ اَللَّهُ
عَلَيْهِمْ وَأَظْفَرَهُ بِهِمْ.
[243] اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ
قَالَ: سَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: مَا تَرَى فِي هَؤُلَاءِ
اَلْقَدَرِيَّةِ؟ فَقُلْتُ: أَسْتَتِيبُهُمْ فَإِنْ قَبِلُوا ذَلِكَ وَإِلَّا
فَأَعْرِضُهُمْ عَلَى اَلسَّيْفِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ.
عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ عَلَى اَلْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ:
"إِنَّهُ سَيَكُونُ قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ يُكَذِّبُونَ
بِالرَّجْمِ، وَيُكَذِّبُونَ بِالدَّجَّالِ، وَيُكَذِّبُونَ بِطُلُوعِ اَلشَّمْسِ
مِنْ مَغْرِبِهَا، وَيُكَذِّبُونَ بِعَذَابِ اَلْقَبْرِ، وَيُكَذِّبُونَ
بِالشَّفَاعَةِ، وَيُكَذِّبُونَ بِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنْ اَلنَّارِ بَعْدَمَا
اِمْتَحَشُوا، فَلَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لِأَقْتُلُنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ وَثَمُودَ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَنْ كَذَّبَ بِعَذَابِ اَلْقَبْرِ أَوْ بِشَيْءٍ
مِمَّا ذَكَرَ عُمَرُ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: اُسْتُتِيبَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
[244] وَأَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ عَنْ اِبْنِ لُبَابَةَ عَنْ اَلْعُتْبِيِّ
عَنْ عِيسَى عَنْ اِبْنِ اَلْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ فِي أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ
مِثْلَ اَلْقَدَرِيَّةِ وَالْإِبَاضِيَّةِ وَمَا أَشْبَهُهُمْ مِنْ أَهْلِ اَلْإِسْلَامِ
مِمَّنْ هُوَ عَلَى غَيْرِ مَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ
اَلْبِدَعِ وَالتَّحْرِيفِ بِكِتَابِ اَللَّهِ وَتَأْوِيلِهِ عَلَى غَيْرِ
تَأْوِيلِهِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ يُسْتَتَابُونَ أَظْهَرُوا ذَلِكَ أَمْ أَسَرُّوهُ
فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا ضُرِبَتْ رِقَابُهُمْ لِتَحْرِيفِهِمْ كِتَابَ اَللَّهِ، وَخِلَافِهِمْ
جَمَاعَةُ اَلْمُسْلِمِينَ وَالتَّابِعِينَ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَصْحَابِهِ، وَبِهَذَا عَمِلَتْ أَئِمَّةُ اَلْهُدَى.
وَقَدْ قَالَ عُمَر بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ
اَللَّهُ: اَلرَّأْيُ فِيهِمْ أَنْ يُسْتَتَابُوا فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا
عُرِضُوا عَلَى اَلسَّيْفِ وَضُرِبَتْ رِقَابُهُمْ، وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ عَلَى
ذَلِكَ فَمِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ إِلَّا أَنَّهُمْ
قُتِلُوا لِرَأْيهمْ رَأْيَ اَلسُّوءِ.
قَالَ عِيسَى: وَمَنْ قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ لَمْ
يُكَلِّمْ مُوسَى، اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
وَأَرَاهُ مِنْ اَلْحَقِّ اَلْوَاجِبِ، وَهُوَ
اَلَّذِي أَدِينُ اَللَّهَ عَلَيْهِ.
[245] قَالَ اَلْعُتْبِيُّ: وَسُئِلَ سَحْنُونُ عَمَّنْ
قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ بِالْوَحْي، وَإِنَّمَا كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ إِلَّا أَنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ اَلْوَحْي، أَهَلْ يُسْتَتَابُ
أَوْ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ؟
قَالَ: بَلْ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا
قُتِلَ، قِيلَ: فَإِنْ شَتَمَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيًّا أَوْ
مُعَاوِيَةَ أَوْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ؟ فَقَالَ لِي: أَمَّا
إِذَا شَتَمَهُمْ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَالٍ وَكُفْرٍ قُتِلَ،
وَإِنْ شَتَمَهُمْ بِغَيْرِ هَذَا -كَمَا يَشْتُمُ اَلنَّاسُ- رَأَيْتُ أَنْ
يُنَكَّلَ نَكَالًا شَدِيدًا.
[246] قَالَ اَلْعُتْبِيُّ: قَالَ الصُّمَادِحِيُّ قَالَ
مَعْنٌ: وَكَتَبَ إِلَى مَالِكٍ رَجُلٌ مِنْ اَلْعَرَبِ يَسْأَلُ عَنْ قَوْمٍ
يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ وَيَجْحَدُونَ اَلسُّنَّةَ وَيَقُولُوا: مَا نَجِدُ
إِلَّا صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا فَإِنْ
تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا.
[247] اَلْعُتْبِيُّ عَنْ عِيسَى، عَنْ اِبْنِ اَلْقَاسِمِ
قَالَ: وَمَنْ سَبَّ أَحَدًا مِنْ اَلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مِنْ
اَلْمُسْلِمِينَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اَلزِّنْدِيقِ
اَلَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ تَوْبَةٌ، فَلِذَلِكَ لَا يُسْتَتَابُ؛ لِأَنَّهُ
يَتُوبُ بِلِسَانِهِ وَيُرَاجِعُ ذَلِكَ فِي سَرِيرَتِهِ فَلَا تُعْرَفُ مِنْهُ تَوْبَةٌ،
وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ; لِأَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: آمَنَ
الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ
بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ.
وقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ وَقَالَ: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ
بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْ أَعْلَمْتُكَ بِقَوْلِ
أَئِمَّةِ اَلْهُدَى وَأَرْبَابِ اَلْعِلْمِ فِيمَا سَأَلْتُ عَنْهُ وَفِي غَيْرِ
ذَلِكَ عَمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ مِنْ أَصُولِ اَلسُّنًَّةِ اَلَّتِي خَالَفَ فِيهَا
أَهْلُ اَلْأَهْوَاءِ اَلْمُضِلَّةِ كِتَابَ اَللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ وَنَبِيِّهِ
صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْلَا أَنَّ أَكَابِرَ اَلْعُلَمَاءِ
يَكْرَهُونَ أَنْ يُسَطِّرَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَيُخَلِّدَ فِي كِتَابٍ،
لَأَنْبَأْتُكَ مِنْ زَيْغِهِمْ وَضَلَالِهِمْ بِمَا يَزِيدُكَ عَنْ رَغْبَةٍ فِي
اَلْفِرَارِ عَنْهُمْ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَتِهِمْ عَصَمَنَا اَللَّهُ
وَإِيَّاكَ مِنْ مُضِلاَّتِ اَلْفِتَنِ، وَوَفَّقَنَا لِمَا يُرْضِيهِ قَوْلًا
وَعَمَلًا وَقَرَّبَنَا إِلَيْهِ زُلَفًا زُلَفًا.
وَصَلَّى اَللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا آخِرَهُ، وَحَمِدَ لِلَّهِ وَحَمِدَهُ وَصَلَوَاتُهُ
عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَائِمًا أَبَدًا إِلَى
يَوْمِ اَلدِّينِ آمِينَ.
=